حول إنقسام البنك المركزي اليمني وإعلان البنك المركزي بصنعاء عن عملة معدنية من فئة مائة ريال

حول إنقسام البنك المركزي اليمني وإعلان البنك المركزي بصنعاء عن عملة معدنية من فئة مائة ريال

 

حول إنقسام البنك المركزي اليمني وإعلان البنك المركزي بصنعاء عن عملة معدنية من فئة مائة ريال

د. علي العُلكي


اعلن البنك المركزي – صنعاء صك عملة معدنية فئة 100 ريال لمعالج النقود المتهالكة من ذات الفئة، ويتساءل البعض عن الاثار المحتملة لهذه الخطوة على المتغيرات الاقتصادية وفي الواقع ان الامر يتوقف على التالي:


- حجم العملة المصدرة ان كان كما هو معلن بهدف معالجة التالف من النقود من فئة المائة ريال فقط اي ان حجمه بحدود ارصدة الفئة التالفة من فئة المائة ريال ولن يتعدى ذلك فأن الأمر لن يتجاوز في تأثيره سوى تكاليف صك العملة إضافة للتكاليف المتعلقة بإجراءات احلالها محل العملة الورقية التالفة التي كانت متداولة في السوق النقدي، بمعنى ان هذا الاجراء لن يؤثر بشكل محسوس في مستوى الأسعار وسعر الصرف ناهيك عن المتغيرات الاقتصادية الاخرى لكون الإجراء لا يمثل اصدار جديد يضاف للكتلة النقدية القائمة.. ولكن بالنظر الى ان العملة بحلتها الجديدة معدنية وليست ورقية فالأمر يحتاج الى الالتزام باعلى درجات الشفافية والمصداقية لان العملة المعدنية ليست لها كالورقية ارقام تسلسلية ظاهرة، كما ان صك عملة من فئة المائة ريال وإهمال فئة الخمسين ريال رغم انها كانت متداولة ومتهالكة ايضا قد يسهم تجاوز التسعير بالخمسين ريال نسبياً.

- اما اذا كان ذلك الإجراء سيسفر عن حجم أكبر للكتلة النقدية أو انه عبارة عن مقدمة للتوسع لاحقاً في الإصدار الجديد بما يؤدي لمزيد رصيد الكتلة النقدية، فأن ذلك سيسفر في حال حدوثه عن زيادة الضغوط التضخمية وتراجع سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وبالطبع في حال حصل ذلك ستكون التداعيات السلبية لاسيما على الاسعار بمقدار الزيادة في المعروض النقدي.

- تجدر الاشارة هنا الى ان اعلان البنك المركزي – صنعاء عن صك عملة معدنية فئة 100 ريال لمعالج النقود المتهالكة من ذات الفئة، قد تزامن بتحذيرات أطلقها البنك المركزي بعدن للمؤسسات التي ستتعامل بالعملة التي سيتم انزالها للتداول، وانه سيعاقبها اذا اقدمت على ذلك، وهو ما قد يكون له تأثيرات سلبية على بعض المصارف وبعض شركات الصرافة التي لها فروع في المناطق التي تقع ضمن سلطات البنك المركزي - عدن وبالطبع حجم تلك التأثيرات السلبية ستتوقف على حجم نشاط تلك المؤسسات في مناطق جنوب الوطن، وعلى طبيعة الإجراءات العقابية اذا اتخذت من مركزي عدن.


وعلى كل حال لابد من التأكيد على ان اي مس بالبنوك وشركات الصرافة في امر خارج عن إرادتها يعد خطأ فادحاً لكونها محشورة في الزاوية بين إرادة سلطتين واحدة تشد بالطول وأخرى تشد بالعرض، اذ انه لا يجب على أي من فرعي البنك المركزي المنقسم على ذاته ان يتعامل كمن يضع رأسه في الرمال ويوزع عقوباته بدون هد، متناسياً ان كل ما يحدث هو نتيجة حتمية لعدم الاستجابة لدعوات تحييد المسائل المتعلقة بالشأن المالي والنقدي عن الصراعات والخلافات السياسية وغيرها والذي عرض ولازال يعرض اقتصاد البلاد لجملة من المخاطر كما عرض ولازال المواطن المتعب لمزيدٍ من الاثار السلبية في معيشته.

- وفي ضوء ما سبق هناك ضرورة للتأكيد على ان الإشكالية الأكبر تكمن في إنقسام البنك المركزي، ومخاطر ذلك على الاقتصاد وأثار على معيشة المواطن المتدهورة أصلاً، ومن تلك المخاطر والأثار نورد ما يلي:

أولاَ: مخاطر انقسام البنك المركزي على الاقتصاد الكلي:

- بداية لابد من الاشارة الى ان ذلك الانقسام ينطوي على مخاطر انفصام في سوق النقد عموماً ان لم يكن ذلك حادثاً فعلاً؛

فهناك عملة واحدة يتم تداولها كعملتين (الاولى بطبعتها القديمة والأخرى بطبعتها الجديدة)،

وهناك سعري صرف يتسع الفرق بينهما مع الوقت،

وهناك أيضاً جهازين مصرفيين تقريباً،

وحري بالذكر ان كل من تلك الثنائيات سالفات الذكر تنطوي على مخاطر أيضاً. وتكفي الإشارة الى:


- ان المشهد المربك للجهاز المصرفي الناجم عن انقسام البنك المركزي يفاقم من ضعف الثقة بالجهاز المصرفي المتهالكة أصلاً مما يحدث تراجع في التعامل المصرفي من قبل جمهور المتعاملين مع المصارف في مجتمع يعاني فيه النظام المصرفي أصلا من انخفاض العادة المصرفية.

. حيث تسود التعاملات النقدية الامر الذي يوسع من مخاطر زيادة الأنشطة المضاربية وعمليات غسل الأموال.

- كما لا ننسى ان فجوة او فارق الصرف بين الطبيعتين المتداولة هنا وهناك كلما اتسعت كلما كلف ذلك المزيد من الجهود والأموال لردمها في اي مساعي مستقبلية لتوحيد سعر الصرف ناهيك عن الجهود الإضافية لترميم ما تحدثه من شروخ وإرباك للمشهد الاقتصادي.


- كما لا يفوتنا ان نلفت النظر الى ان التعامل في وطن واحد بوسائل دفع مختلفة (أي طبعتي الريال) وجهاز مصرفي مزدوج يؤثر سلباً من الناجية المعنوية على مسألة غاية في الأهمية تتعلق بالهوية الجامعة ويسهم في تهديد أي مساعي لتعزيز اللحمة الوطنية.. الامر الذي يخدم مخططات بعض دول الجوار الهادفة الى شق الصف.

ثانياً: اثار انقسام البنك المركزي على المواطن:
• فعلى مستوى الجهاز المصرفي معلوم لنا جميعاً ان البنوك العاملة لها انتشار عبر فروعها في مختلف المدن الرئيسية اليمنية وبالتالي تلقيها تعليمات متعارضة يربك اداراتها ويعمق من ازمة القطاع المصرفي مما ينعكس في تراجع أدوارها التمويلية وغيرها، الامر الذي يؤثر سلباً على الاقتصاد الكلي وبالتالي على معيشة المواطن.

• كما ان ذلك الانقسام في البنك المركزي وما يؤدي اليه من تضارب في تدابير السياسة النقدية في بلد واحد يحد من قدرة السياسة النقدية على مواجهة المشكلات الاقتصادية، فعدم توافق السياسات النقدية المعتمدة من قبل طرفي السلطة النقدية بل وتعارض تلك السياسات أحيانا لا يمكنها من مواجهة المشكلات الاقتصادية وعلى الأقل الحد منها، الامر الذي له بالتأكيد اثار سلبية على الاستقرار الاقتصادي مما يعمق من الازمات الاقتصادية القائمة ويهدد ماتبقى من انشطة اقتصادية توفر بعض الدخول لفئات عريض من المواطنين الذين يعانون الفاقة.

• كما ان التشوهات السعرية بالعملة الوطنية التي احدثها ذلك الانقسام في البنك المركزي لها اثارها الضارة على الأنشطة الاقتصادية العابرة للمناطق المختلفة التي تتعامل بعملة الريال اليمني بطبعته القديمة أو الجديدة، ومن تلك الاثار الضارة: الاسهام في تقسيم أسواق تلك الأنشطة وبالتالي الحد من سلاسة تعاملاتها التجارية التي كانت تخفف من اختناقات السوق في بعض السلع.

• وفي مجالات التحويلات المالية الداخلية. تكفي الاشارة بهذا الصدد الى انه من مظاهر التشوهات السعرية وجود سعري صرف مختلفين للعملة الوطنية في عدن وصنعاء، وقد كان لاتساع الفرق بينهما ان أدى الى ارتفاع عمولات تحويل الأموال من مناطق عدن إلى صنعاء إلى أكثر من 30 % من مبلغ الحوالة المالية، كما انه في المقابل عندما تكون الحوالة معاكسة اي من صنعاء الى عدن لا تدفع فوارق لصاحبها، وفي كل الأحوال الخاسر الأكبر هو المواطن البسيط.

• وإجمالاً فان الاثار المختلفة لانقسام البنك المركزي لها انعكاساته بصورة مباشرة على معيشة اليمنيين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة جراء دوامة الصراع والعنف وعدم الاستقرار والتضييق والحصار الاقتصادي منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.

وتجدر الاشارة في هذه العجالة الى بعض الحلول والبدائل لمعالجة شحة السيولة النقدية وتهلكها في اطار بعض الخطوات التمهيدية لإنهاء الانقسام الحاصل في البنك المركزي


1. قد يكون من المفيد العمل على تشكيل لجنة مشتركة من طرفي البنك المركزي في صنعاء وعدن للتنسيق في رسم السياسات النقدية في عموم البلاد بحيث تكون على أسس علمية سليمة تبتعد عن العشوائية وتفرض الانضباط وعدم اللجوء الى طبع وحدات نقدية جديدة لتمويل عجز الموازنة، ومن ثم العمل على معالجة التشوهات السعرية بالعملة الوطنية، وقد يكون متاح الاستعانة بالدعم المالي الخارجي لردم فجوة فارق سعري الصرف القائم بين طبعتي الريال، ومن ثم بعد ذلك يمكن التعاطي مع قرار يؤكد على قانونية كافة الأوراق النقدية من العملة الوطنية بجميع فئاتها المصدرة والمتداولة، كوسيلة دفع في جميع التعاملات الداخلية، على ان يتم سحب السيولة من الطبعة الورقية القديمة المتداولة في شمال الوطن والتحريز عليها في مقر البنك المركزي بصنعاء بأشراف اللجنة المشتركة انفة الذكر، مع أهمية التنسيق في آليات استمرار سحب فائض السيولة من الطبعة الورقية الجديدة عبر اتخاذ إجراءات منظمة لخفض حجم المعروض النقدي وإبقائه في المستويات المقبولة والمتوافقة كمياً مع حاجة السوق لها، وذلك بناءً على دراسات علمية سليمة (يعدها خبراء مختصون من فرعي البنك المركزي مع الاستعانة بكفاءات من خارج فرعي البنك)، للحد من أية آثار تضخمية، وانعكاسات سلبية على قيمة العملة المحلية في عموم السوق اليمنية ومختلف المناطق اليمنية، ومن المفيد الاشارة في هذا الشأن لاهمية ان يصار الى ان يتم تعقيم فائض السيولة التي يتم سحبها بحيث يتم ضمان عدم دخولها الى الدورة النقدية مرة أخرى، والتحريز عليها بلجنة مشتركة من فرعي البنك المركزي في صنعاء وعدن، الا بدواعي الحاجة الحاجة الاقتصادية الفعلية والملحة لذلك أو عند الحاجة الفنية لإحلالها محل ارصدة من العملة التالفة وعلى ان يتم ذلك بإشراف طرفي اللجنة بما لا يؤثر على الاستقرار في عموم السوق النقدية.
2. وحتى يتحقق إنجاز تنفيذ المقترح السابق على ارض الواقع يمكن العمل على المقترحات التالية بغية معالجة ازمة السيولة:

- البحث في سبل إمكانية تنشيط دور البنوك في خلق نقود الودائع والتي تعد مكملاً لدور النقود الورقية في انجاز الصفقات وخلافه، وهذا يتطلب توفير بيئة عمل للقطاع المصرفي محفزة وليست مثبطة لتطلعاته في النمو والاستمرار.


- البحث في إمكانية اصدار ريال الكتروني بضمانات معلنة من قبل الدولة ممثلة بالبنك المركزي كي يؤسس له قبول عام ويجد له طريق الى السوق النقدي على الاقل في انجاز نسبة بسيطة من التبادلات التي ستزيد بالتأكيد مع الوقت.

- لابأس في ان يتم قبول التعامل ببعض فئات العملة الصغيرة الورقية بطبعتها الجديدة.. كبديل للتالف منها.

- وينبغي التأكيد على أهمية ان يترافق العمل على المقترحات الثلاثة الأخيرة بمساعي لتدبر سبل توفير العملات الصعبة لأنه من المتوقع ان تؤدي اي زيادة في عرض النقد ناهيك عن سرعة دوران الوحدة النقدية (بفعل التعامل بالطبعة الجديدة للعملة في المحافظات التي كانت تعاني من شحة في السيولة او التوسع في نقود الودائع اي نقود الشيكات- والتي تراجع دورها سابقاً او بفعل اصدار ريال الكتروني)، الى انعاش الاقتصاد الكلي بالتزامن مع زيادات في الطلب الكلي وبالتالي زيادة الاستيرادات وهذا بالتأكيد سيزيد من الطلب على العملات الأجنبية لتغطية تزايد رصيد فاتورة الاستيرادات.

- كما ينبغي ان يترافق ذلك مع العمل الحثيث على اتخاذا إجراءات تشجع المغتربين على زيادة تحويلاتهم الى الداخل، إضافة لقضاء اجازاتهم في ارض الوطن.

- كما قد يكون من المفيد البحث في إمكانية القيام بأنشطة التعدين عن الذهب للمساهمة في بناء احتياطيات من الرصيد الذهبي لتغطية اي زيادات محتملة في فواتير الاستيراد وبما يخدم تعزيز سعر صرف العملة الوطنية في مديات لاحقة.

- إضافة الى العمل على استمرار إجراءات البنك المركزي الرقابية على نشاط سوق صرف النقد الاجنبي، وفرض الانضباط في أدائه، ومكافحة النشاط المضاربي فيه، بغية الحد من تذبذب اسعار الصرف والحفاظ على استقراره.

 


طباعة   البريد الإلكتروني