تداعيات اغتيال قادة فيلق القدس، والتوافق على إسقاط النظام الأردني

تداعيات اغتيال قادة فيلق القدس، والتوافق على إسقاط النظام الأردني

تداعيات اغتيال قادة فيلق القدس، والتوافق على إسقاط النظام الأردني

جمال طه

إسرا..ئيل قصفت مبنى القنصلية الإير..انية الذي يقع داخل مجمع السفارة بمنطقة المزة في دمشق أول أبريل 2024، باستخدام 6 صواريخ أطلقتها طائرات F-35.. المبنى كان يستخدم كمركز قيادة لعمليات الحرس الثوري في سوريا ولبنان، لذلك قُتِل داخله كل قيادات «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» في سوريا ولبنان، وعلى رأسهم قائده محمد رضا زاهدي، مسؤول التسليح والتنسيق مع التنظيمات والعناصر الموالية لإيران في لبنان وسوريا الضفة الغربية، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، وخمس من القادة الميدانيين.. إسرائيل لم تعترف كعادتها بالمسئولية عن الهجوم، لكن المتحدث العسكري أبدى اعتقاده بأن الهدف الذي تم ضربه كان مبنى عسكريا خاصا بقوات القدس، وهيئة البث الإسرائيلية أكدت أن «الضربة رسالة من الجيش إلى حزب الله اللبناني»، وأضافت أنه تم انتظار مغادرة القنصل الإيراني للمبني لتنفيذ العملية، ما يعكس حجم سيطرة الاستطلاع الإسرائيلي على أرض وسماء المنطقة.

***

موقع «أكسيوس» الأمريكي نقل عن مسئولين إسرا...ئيليين وأمريكيين؛ أن تل ...أبيب لم تُخطِر إدارة بايدن إلا بعد تحليق المقاتلات الإسرائيلية، وقبل دقائق من تنفيذ الضربة الجوية، وادعت أنها لم توافِ واشنطن بالتفاصيل ولم تطلب الضوء الأخضر.. الخارجية الإيرانية استدعت القائم بأعمال السفارة السويسرية في طهران، بحكم مسئوليتها عن رعاية المصالح الأمريكية، وحملته رسالة الى الإدارة الأميركية - بصفتها حامية للكيان – حمَّلت فيها واشنطن المسئولية عن تلك «الجريمة»، لكن متحدثا باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي نفى أي دور لبلاده في الضربة الإسرائيلية، وأكد أن واشنطن ردت مباشرة على إيران بأنها «ليس لها أي دور أو علم مسبق بالهجوم»، ما يعكس شعور بالقلق من أن تؤدي العملية إلى تصعيد إقليمي، واستئناف هجمات الفصائل الشيعية ضد القوات الأمريكية.

والحقيقة أن الشواهد تؤكد أن إسرائيل نسقت مع الولايات المتحدة للتخلص من قيادة فيلق القدس الميدانية، استكمالا لعملية اغتيال «قاسم سليماني» قائده ومؤسسه في يناير 2020، التي نفذتها واشنطن بنفسها، لكنها لم تحد من أنشطة إيران المعادية للمصالح الأمريكية، والتي تستهدف فرض نفوذها على مسار التطورات السياسية بالمنطقة.. ومما يؤكد التنسيق الإسرائيلي الأمريكي أنه عقب الضربة الجوية مباشرة، تم عقد اجتماع بالفيديو كونفرانس بين جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض وأنتوني بلينكن وزير الخارجية، وكبار المسئولين الإسرائيليين استغرق ساعتين ونصف، لدراسة تداعيات الهجوم الإيراني، لا بدائل الغزو البري الإسرائيلي لرفح كما روجت التسريبات، فموضوع رفح كان قد تناوله «يوآف جالانت» وزير الدفاع الإسرائيلي توَّا في واشنطن مع لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي.
***

اغتيال قادة فيلق القدس في دمشق تم كعملية استفزازية تستهدف توسيع نطاق الحرب في المنطقة، وهو ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بشأن المداولات التي أجريت يوم 28 مارس برئاسة «يوآف جالانت»، شارك فيها مسئولو هيئة الأركان وقادة الاستخبارات، بشأن إعداد قيادة الجبهة الداخلية في الجيش لخطة إعلامية لتعبئة الجماهير وإعدادها لتقبل احتمالات توسع نطاق الحرب في المنطقة، وتم الاتفاق على سرعة إجراء استطلاع رأى عام للتعرف على مواقف الجمهور، للتأكد من دعمه للدولة في ذلك التوجه، لا انقلابه عليها، خاصة مع احتمال أن يتم ذلك قبل الانتهاء من الإفراج عن الرهائن والأسرى المحتجزين لدى حماس، الأمر الذى يثير غضب الشارع الإسرائيلي.

توسيع إسرائيل لنطاق الحرب يستهدف أولا: تدمير الترسانة العسكرية لحزب الله في لبنان، وإبعاد قواته الى ما وراء نهر الليطاني، حتى يتسنى إعادة سكان شمال إسرائيل لمساكنهم، وتضع الخطة في اعتبارها احتمال تدخل إيران المباشر للحيلولة دون تخلص إسرائيل من أهم أذرعتها العسكرية بالمنطقة- خاصة تفكيكها لمعظم كتائب حماس العسكرية في غزة ثانيا: استدراج طهران الى الحرب هدفا في حد ذاته، حتى يتسنى توجيه ضربة إجهاض لعمليات تطوير الأسلحة النووية الإيرانية، وتدمير القاعدة الإنتاجية للأسلحة الباليستية، أما ثالثا: فيتعلق بالاعتبارات الداخلية في إسرائيل، وحرص نتنياهو على استمرار الحرب، حتى لا ينفرط عقد الائتلاف الحكومي، ويتم تقديمه للمحاكمة.

واشنطن رفضت التجاوب مع الالحاح الإسرائيلي لتوسيع نطاق الحرب، حتى لا يتسبب ذلك في استئناف قصف قواعدها العسكرية بالمنطقة خلال عام الانتخابات، ولتجنب تغيير قواعد الاشتباك التي سادت مع إيران منذ عام 2010، والتي اعتمدت على «حرب الظل» ممثلة في صورة عمليات إيجابية بالداخل الإيراني، لتصفية علماء الطبيعة النووية وخبراء تطوير الصواريخ الباليستية والصناعات العسكرية وقادة الحرس الثوري، واختراق مراكز البحوث النووية سواء لتخريبها أو لسرقة وثائقها، فضلا عن إثارة الاضطرابات الشعبية المعارضة لنظام الملالي، ثم تطورت منذ عام 2019 الى هجمات انتقامية متبادلة على السفن التجارية.. لكن إسرائيل صعدت عمليات الاستهداف منذ مطلع 2024 لتشمل مقاتلي وقيادات فيلق القدس في سوريا حتى بلغت أربع حتى الآن ووصل عدد ضحاياها 20 قائد.
***

الهجوم الإسرائيلى وضع إيران في موقف بالغ الحرج، لأنها حريصة على ان يظل تعاملها مع إسرائيل والولايات المتحدة من خلال أذرعها العسكرية بالمنطقة، وتجنب الانزلاق لمواجهات مباشرة تُقَدِّر أنها ضد مصالحها، لضعف أسلحة الطيران والبحرية والدفاع الجوي لديها، لذلك تستهدف سرعة الوصول الى القنبلة النووية تحقيقًا للردع المتبادل، وتعويضًا عن اختلال التوازن في التسلح التقليدي، ما يسمح لها بمزيد من الانخراط في شئون المنطقة وتعزيزا نفوذها.. هذه الاعتبارات تفسر عدم رد إيران على اغتيال قاسم سليماني الا بعد إنذار واشنطن، ما سمح لها بالحد من خسائر القصف الصاروخي لقواعدها في العراق.

النظام الإيراني يتمنى تقبل محاولات التنصل الأمريكي من المسئولية عن عملية دمشق، لكن استهداف مجمع السفارة الذي يتمتع بنفس حصانة الأراضي الإيرانية، واصطياد كل القيادة العليا والميدانية لفيلق القدس، فضحا عمق الاختراق الإسرائيلي للأهداف الإيرانية، ما يضع نظام الحكم تحت ضغط شعبي هائل للانتقام، صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نقلت عن المحلل السياسي «بيمان سيد طاهري» المقرب من حكومة طهران أنه «وقع انتهاك لأمننا القومي، ما هز الإيرانيين الذين يخشون من فشل نهج الحكومة في المواجهة مع إسرائيل.. إما أن ترد إيران لمنع إسرائيل من مهاجمتنا في عقر دارنا، أو تعيد النظر وتخفف من سياساتها الإقليمية ووجودها العسكري بالمنطقة».. بديلان أحلاهما مُرُ.

إسرائيل وضعت قواتها في حالة استنفار، وشددت مستويات الحذر بسفاراتها في الخارج، وسارعت - بمشاركة أمريكية - في دراسة السيناريوهات المحتملة للرد الإيراني، حيث قدروا أن الإيرانيين سيتمسكون بـ «الصبر الاستراتيجي»، وتجنب الرد المباشر، حتى لا يقدمون ذريعة لبنيامين نتنياهو لتوسيع وإطالة الحرب حفاظا على استقرار حكومته، ما يعنى اقتصار الرد على أذرعها بالمنطقة، أو توجيه هجمات سيبرانية مباشرة لإسرائيل، لكن هذا لا يحول دون تحوط إسرائيل لإمكانية اختلاف الرد الإيراني، ما يفسر سرعة طلب سربين من الطائرات من واشنطن، التي وافتها بالفعل بسربي مقاتلات F-35 وF-15.

القيادة الإيرانية حاولت تهدئة الشارع الإيراني؛ الرئيس «إبراهيم رئيسي» حاول طمأنة الرأي العام الى ان الجريمة الإسرائيلية «لن تمر دون رد»، وخامنئي توعد «سنجعلهم يندمون على هذه الجريمة»، والتلفزيون نقل عن مجلس الأمن القومي «أنه اجتمع واتخذ القرارات المناسبة بشأن الهجوم على القنصلية»، دون تفاصيل.. لكنهم في مأزق حقيقي؛ فالرد العسكري المباشر ينزلق بهم نحو تحقيق أهداف القيادة الإسرائيلية من توسيع نطاق الحرب، وان لم يردوا فستكون تلك بداية عمليات إسرائيلية متتابعة لتقويض الوجود العسكري الإيراني في سوريا، فما هو البديل أمام القيادة الإيرانية؟!
***

القيادة الإيرانية اختارت أن يكون البديل هو التحرك في اتجاه الأردن والسعودية، بالنسبة للأردن فسوف يسعون لإسقاط النظام، وتأسيس نظام تابع يحوِّل الحدود الطويلة مع إسرائيل الى مرتكز لجبهة الممانعة، سواء كانت منظمات فلسطينية أو مقاتلون تابعون لفيلق القدس أو ميليشيات شيعية، مما يسمح لإيران بتكثيف عمليات تهريب الأسلحة للضفة الغربية، والتسلل لدعم المقاومة.. مؤشرات تنفيذ ذلك المخطط تتابعت على نحو مثير، بدأت بالمظاهرات التي نظمها الفلسطينيون وجماعة الإخوان المسلمين عقب قصف قنصلية دمشق، وعززها بيان كتائب حزب الله العراقي «أبو على العسكري» الذي أكد أنهم بصدد التجهيز لتسليح 12 ألف مجاهد من مقاتلي المقاومة الإسلامية في الأردن، وسوف يبدأون بقطع الطريق البري التابع للممر الاقتصادي الأمريكي [الهند/إسرائيل] عبر أراضي الامارات والسعودية والأردن، باتجاه دولة الكيان.

«الحوثيين» - ذراع إيران الجنوبي- استكملوا معالم الخطة، بالزحف على محافظة «مأرب» في خرق صريح لاتفاق السلام مع الرياض، وهددوا بقصف المراكز النفطية بالمملكة إذا ما تم فتح المجال الجوي السعودي لاستخدام الطيران الأمريكي، وذلك رغم إعلان المملكة حيادها، منذ بداية الصراع حول المرور من باب المندب.. وفى أعقاب التهديدات الحوثية قررت واشنطن الغاء زيارة «جيك سوليفان» التي كانت مقررة للسعودية، والتي كان هدفها المعلن استكمال بحث إجراءات التطبيع مع إسرائيل، ما يؤكد من جديد ما سبق أن ذكرناه منذ بداية الحرب من أن هدف إيران من دعم خطة هجوم «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023، كان إجهاض مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، وعرقلة تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي، واجراءاتها الأخيرة ضد الأردن والسعودية يؤكدان إصرارها على تحقيق الهدفين، مهما فرض عليها ذلك من إجراءات تصعيدية.

الخطير في الأمر هو اتفاق المصالح الإسرائيلية الأمريكية مع المخطط الإيراني فيما يتعلق بإسقاط النظام الأردني!! لأنه يسمح بالاستجابة للمسعى الأمريكي الخاص بإنشاء دولة فلسطينية، وفقا لمشروع «جيورا أيلاند» الإسرائيلي، كما يمكِّن إسرائيل من تهجير فلسطيني الصفة الغربية – وربما فلسطيني 1948- اليها، وتوفير الذرائع للاستيلاء على مرتفعات الحافة الشرقية لوادي عربة وغور الأردن، بحجة تأمين مستوطناتها ضد هجمات الفلسطينيين والإسلاميين في الدولة الجديدة.. وطبيعي أن ترحب كل من السعودية والعراق بذلك الانقلاب السياسي، لأن الحكم الهاشمي طالما شكل مصدر تهديد وقلق للعرش السعودي والحكم العراقي.
***

انتقلت الأزمة من مرحلة مواجهة مخططات سياسية الى مرحلة التعرض لمؤامرات شيطانية، فهل استعدينا بحشد العرافين، واستحضار مجامر البخور والجاوي وعين العفريت لصرفهم عنا؟! أم سنظل نمنح الحرية لمن حرقوا المجمع العلمي ليشاركوا في تلك المؤامرات الشيطانية التي تعصف بدول المنطقة، ومصر في القلب منها؟!

رغم مرارة كل ما فات، فالقادم أكثر مرارة وألمًا .


طباعة   البريد الإلكتروني