عن يوم في قسم اللغة العربية بكلية الآداب

عن يوم في قسم اللغة العربية بكلية الآداب

عن يوم في قسم اللغة العربية بكلية الآداب

 

 محمد فائد البكري

 

هل يتحوَّل طلبة النقد الأدبي إلى كهنة وسدنة تنظيرات باسم العلم؟!

 

من منطلق أن المعرفة لا ينبغي أن تظل حبيسة أسوار الجامعة، مقصورةً على تلقين المقررات الجامعية، وفي سياق ما ينبغي أن يرسخ كتقاليد تجسر الهوة بين الطالب الجامعي ومجتمعه بحيث يخرج من ضيق الترديدات المدرسيةإلى الفاعلية في المجتمع، وامتداداً لجهوده في جعل الكلمة مسؤوليةً وشأنا عاماً، عقد الدكتور محمد الكميم بمعية عدد من طلبته في مساق الماجستير جلسة نقاش حول روايات محمد الغربي عمران.

وبدعوة من أستاذنا المُعلِّم الجليل الدكتور محمد الكميم كان حضورنا إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب صباح الخميس بتاريخ24/ 2023/8 لحضور تلك الجلسة التي استمرت على مدى أربع ساعات، وقد لبى الكاتب محمد الغربي عمران دعوتها، وبعد أن قدَّمه الدكتور محمد الكميم بتقديرٍ كبير لشخصه ولاجتهاده في الكتابة.

فتح الغربي عمران أوراقه بكل عفوية وتلقائية وتحدث عن تجربته الحياتية والروائية وعن علاقته بالكتابة وتحوُّله من كتابة المقالة والقصة إلى كتابة الرواية، وقد كشف الغربي عمران عن شخصية إنسانية فذة في مواجهة مصاعب الحياة وبناء الذات وتقبُّل الآخر.

بعد ذلك فُتِح الباب لمجموعة من طلبة الدراسات العليا في مساق الماجستير ليضعوا أسئلتهم على الروائي الغربي عمران وقد كانت الأسئلة والتساؤلات التي اتكأت على روايات الغربي عمران كاشفةً عن جهدٍ واضح من طلبة نابهين قرأوا باهتمام وبوعي ومسؤولية، ولفتت أسئلتهم النظر إلى جوانب كثيرة من أعمال الكاتب الغربي عمران الذي أجاب على الأسئلة وأبدى في بعض ردوده صراحةً ووضوحاً وخصوصية في نظره إلى الأشياء، بصرف النظر عن جدوى تلك الإجابات وموضوعيتها، وبصرف النظر عمَّا يمكن أن يُقال عن مسؤولية الكاتب ووعيه بما يكتب.

إلى ذلك أبدى الغربي عمران في تحفظه على بعض الأسئلة حرصه على أن يظل بعيداً بشخصه عن النص الذي صار ملك القارىء وفي أفق تلقيه.
إلا أن بعض إجاباته الساخرة أظهرته كما لو أنه غير مكترث، وهو ما استفز بعض السائلين، ومنهم من أشار إلى أن الغربي عمران يستخف بأسئلتهم وبجهدهم، في حين كان بعض الحاضرين وأنا منهم نستشعر أن الغربي عمران يمارس حقه في أن يرفض الإجابة أو يرفض النقد برمته، كما أن هذا لا يعني أن لا يمارس الناقد دوره شاء الكاتب المبدع أم أبى. ولقد بدا أن الأمر في بعض مجرياته أخذ شكل الاستجواب ونحا منحىً شخصياً خارج ما خطط له الدكتور محمد الكميم من التفاعل والتواصل الذي أشار إليه في مفتتح الجلسة مقرراً أن الأمر سيكون أسئلة على سبيل النقد لا الهجوم أو التقليل من جهد الكاتب.

في سياق ما جرى وعلى أهميته في كسر الحاجز بين الكُتَّاب والدارسين والباحثين رأيت أن الأمر اكتنفه بعض اللبس حيث وجهت بعض الأسئلة إلى شخص الروائي وطلبت منه إجابةً عما كان من تصرفاته في بناء تلك الروايات في حين كان يجدر بها أن تفصل بين الشخص والنص وأن يطرح طلبة النقد الأدبي أسئلتهم ورؤاهم بصيغة أخرى تبدي ما للنصوص الروائية وما عليها، وتظهر مواطن القوة في النصوص ومواطن القصور، وتشفع ذلك بما تعرفه عن علم السرد من خلال قراءات تشير إلى أن تلك الرواية أو تلك يمكن توصيفها او تصنيفها في أدب كذا أو كذا ....وأنها عالجت بناء الشخصيات كذا وكذا ... ووظفت المكان على هذا النحو أو ذاك وعالجت الزمن وفق كذا....
واستخدمت الوصف والحوار كذا وكذا.... ويمكن الاستدراك عليها في كذا وكذا...كما هو الحال في رواية كذا في الصفحة كذا ....
ليكون من مجمل ذلك ما يفيد المستمعين في تسييق تلك الروايات ويرفع من وعيهم بفنيات العمل الروائي ومفاهيمه ومصطلحاته.

وليتح للكاتب الروائي أن يبدي أي ملاحظة إن شاء.

وهذا يعني أن لا توجه الأسئلة مباشرة إلى الكاتب الروائي وكأن نصوصه وثائق إدانة؛ فالاسئلة على هذا النحو تأخذ شكل الاستجوابات، ومن نتيجة ذلك نفي ما هو قار في النقد الأدبي من أن الكاتب تنقطع صلته بما كتب بمجرد نشره، بحيث لا يبقى له من علاقة بما كتب إلا كعلاقة أي متلقٍ آخر، وبهذا يكون الروائي متلقياً يفيد مما يُقال عن كتاباته كغيره من الحاضرين السامعين وكغيره من المتلقين الذين سيقرأون ما كتب عن أعماله.

لكن ذلك لم يحدث وقد تحوَّل الأمر في بعض جوانبه كما لو أنه محاكمةٌ لشخصية الكاتب واتهام له بعدم الوعي بما تتطلبه كتابة الرواية.

ومن السائلين باسم النقد من ذهب إلى انتقاء جزئيات من رواية هنا أو هناك طالبين من الكاتب أن يستذكر معهم ذلك، متجاهلين أن ليس على الكاتب أن يستذكر ذلك، كما ليس ممكناً أن يستعيد لحظة الكتابة وما اكتنفه حينها من تصورات وما وقع فيه من إخفاقات.

نتيجةً لذلك من خلال طلبة النقد الأدبي أتوجه بتساؤلات إلى المشتغلين بالنقد، استفهاماً وطلباً للمعرفة، لا لشيءٍ آخر، وفي هذا أقول: هل النقد استدراج للكاتب؟ هل يتحوَّل النقاد إلى شرطة باسم النقد؟ هل يتحوَّلون إلى كهنة وسدنة نصوص يريدون فرض نماذجهم ومعاييرهم وقوالبهم على الكُتَّاب ولاسيما تلك النماذج المقررة مدرسياً؟!

وهل يعي المشتغلون بالنقد أنهم قد يمارسون سلطة قمع من حيث يريدون الامتثال لمقررات باسم المعرفة؟
هل يعون أن محفوظاتهم تلك تعمل خارج السياق الثقافي الذي يستدعون منه الترسيمات؟


هل يعون أنهم من خلال محفوظاتهم تلك ببعدها التنظيري المدرسي يتحوَّلون إلى نظام وصاية وبوليس أكاديمي يريدون فرض مقرراتهم بكل رنينها ومزاعمها وكأنها قوانين أزلية وحقائق مطلقة، وبهذا تتحوَّل تلك المعرفة المدرسية إلى مصادرة على الإبداع؟!

ليسمح لنا أولئك الأعزاء - وبكل ما نقدِّره لهم من ملاحظات مضيئة وبما تعلمناه منهم وبما نعتقده من سعة الصدر، وفي سياق التثاقف- أن تتداعى تساؤلاتنا:

_ ما قولكم يا سادة عن حرية النقد وحرية الفكر والإبداع؟
_ماذا يبقى من الإبداع إن صودرت حريته ومنع من المغامرة والتجريب والتمرد على السائد والشائع والمألوف والموروث والمُقرر سلفاً؟
_ماذا سيبقى من الإبداع إذا خضع للترسيمات والتنميطات والمحددات، ألن يصير بذلك نسخة واحدة يستنفدها التكرار والتقليد؟
_ أليس من أبجديات الإبداع أن ينزع إلى الخرق والتمرد والتجاوز والتجريب؟

_ متى كان الإبداع تابعاً لمقررات النقد؟ ثمَّ ألم يكن الإبداع سابقاً على النقد المدرسي؟

_ ألم تؤخذ قوانين النقد من جهود مبدعين لم يكن لهم من منطلقات في إبداعهم سوى تجربتهم الحياتية وملكاتهم ومواهبهم؟
_ هل يغدو الروائي مبدعاً إذا التزم بنمط من أنماط الكتابة وبنى نصه وفق المقررات التي يحددها النقاد؟

_هل شرط الإبداع أن يكتب الروائي أو الشاعر أو القاص وفق المقررات حتى وإن لم يكن في المضمون أو المعالجة الفنية ما يدهش؟
- هل الالتزام بالتقنيات والكتابة وفق المقررات الأكاديمية يمنح المكتوب هويته الإبداعية؟
_ ألا ترون إمكانية أن يتحوَّل الأكاديميون بما يقررونه من الإلزامات والإنضباطات والإكراهات إلى كهنةوسدنة نصوص؟

_ ماذا يبقى من الإبداع حين تجري المطابقة بين الشخص والنص ويُراد من الكاتب أن يفصح عن أسرار الكتابة أو يستعيد لحظات لاوعيه التي تفيض على الورق؟

_ هل كان يمكن للدارسين أن يضعوا تساؤلاتهم وقراءاتهم ليستمع الروائي أو الشاعر والحاضرون إلى تلك التساؤلات ويفيدوا منها؟

- ألا يعني توجيه الأسئلة إلى الروائي عدم التفريق بين الشخص والنص الذي تحظ عليه المعرفة المدرسية في سياق الموضوعية؟

_ ألا تعني مواجهة الروائي بما يتخلل عمله من ثغرات أن في الأمر محاكمة مهما تذرعت بإرادة استطلاع وعي الكاتب؟

_ ماذا يعني أن يُطلب من الكاتب بيان حالة أو تقرير عمل؟

_ ماذا يعني المتلقي أن تقرر مجموعةٌ من النقاد أن كاتباً معيناً لا يلتزم بشروط الكتابة التي يرونها مثالية؟

_ هل شرط الإبداع إرضاءالجميع أو إرضاء النقاد؟

_أليست الكتابة النقدية باتجاه المتلقي قبل آي شيء آخر بهدف رفع قدرات المتلقي وتطلُّب الفهم؟

_ هل النقد للإبانة أم الإدانة ؟

_ متى كان النقد قل ولا تقل؟!

وبعد ومع علمنا أن طلبة النقد الأدبي يغلب عليهم أن يكونوا ضحايا لرطانة الأكاديميات التي توشك أن تحولهم إلى جلادين، نتساءل:
_ متى يتجاوز النقد التصويبات اللغوية والمضمونية ويفتح أفقه على ما وراء الأداءات التعبيرية من تصورات ومفاهيم؟

وإن جاز أن نتوجه إلى الروائي بأسئلة كنا نتمنى طرحها عليه في سياق ما أدلى به عن تجربته الروائية فسنقول: أيها الروائي القدير وأنت الذي كاشفتنا بالحديث عن تجربتك وقد أشرت إلى أنك مهموم بمجتمعك اليمني، إذا قرأنا رواياتك دون أن يكون عليها اسمك هل سنجد فيها ما يجعلنا نميز أنها رواية يمنية وأن كاتبها يمني. وهل يمكن الحديث عن رواية يمنية بمعنى ما؟


ثم هل يمكن أيها الروائي من خلال خبرتك أن تبصِّرنا ببعض ما يتطلبه تكوين الروائي؟
ومن خلال ما تثيره في بعض مقابلاتك الصحفية من إنكار وجود النقد، دعنا نتساءل عن أي نقد بالتحديد تتحدث؟ وما الدور الذي تراه للنقد؟ وما مدى استفادتك من النقد؟ وهل قرأت ما كتب عن رواياتك من رسائل وأطاريح أكاديمية وما ملاحظاتك عليها إن كنت قد قرأت؟

ويبقى في سياق تقرير ما كان من أمر هذه الجلسة- التي يحسب للقائمين عليها أنها خطوة في اتجاه ربط المشهد الثقافي بالوسط الأكاديمي بما يكون لصالح الاثنين معاً- أن أنوه بجهود الدكتور محمد الكميم الذي يعلِّم الحوار والاختلاف ويعمل على كسر عزلة النقد الأكاديمي وإخراجه إلى فضاء المجتمع، وكان من خلاصة ما عنيت به هذه الجلسة ما أشار إليه الدكتور الكميم من ظواهر في روايات الغربي عمران يمكن أن تؤخذ كموضوعات للدراسة.


وبكل ما قد يُلحظ في هذه السطور من تساؤلات فإن ما لا يغفل وجوب الشكر للطلبة والطالبات وللروائي محمد الغربي عمران والمتداخلين من الحاضرين.


طباعة   البريد الإلكتروني