المخفيين قسرياً في اليمن ملف شائك متجدد ومستمر

المخفيين قسرياً في اليمن ملف شائك متجدد ومستمر

المخفيين قسرياً في اليمن ملف شائك متجدد ومستمر

سامي غالب

بعض الوقائع تأثيره هائل على أشخاص بعينهم ولأسباب تخصهم وحدهم حتى الان من أسف!
نجاح اتفاق تبادل الأسرى و"المعتقلين" و"المختطفين" بين الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليا) وجماعة الحوثيين تلقته أسر المختفين قسريا في حرب 1994 وقبل 1990 بطريقة معايرة عن باقي اليمنيين!

 


لقد أفرحهم الإفراج عن أسرى ومعتقلين من الطرفين، وشاهدوا معنا الفرحة العارمة لجموع اليمنيين وعائلات المفرج عنهم، لكنهم، كما هو حالهم طيلة عقود، عاشوا أيضا، وفي الوقت نفسه، عذاباتهم التي لا يريد المحتربون وانصارهم التوقف عندها؛ أين أحبتنا؟ ومتى ينتصر اليمنيون لنا؟

قبل 3 أيام تلقيت على بريدي رسائل عديدة من أبناء وبنات مختفين قسريا تقيد بأن 5 أسر اجتمعت في صنعاء الاسبوع الماضي وقررت تفعيل "الرابطة اليمنية لأسر المختفين قسريا" التي تأسست في مارس 2012 وتعطل نشاطها في مارس 2015 جراء الحرب.
فاجأتني رسائل اقارب المختفين قسريا لعدة أسباب أفضل هنا بعضها:
- في 2012 بدأت الرابطة عملها بمظنة أن البيئة صارت مناسبة لتحقيق أهدافها بعد خروج الرئيس الأسبق على عبدالله صالح، رحمه الله، من السلطة ومجيء رئيس جديد وسلطة تملك المعارضة فيها حصة النصف.


لكن الأسر ما لبثت أن اصطدمت بالسلطة الجديدة (سلطة ما بعد ثورة 2011) إذ ان اقطابها ومنظريها أظهروا عداء صارخا للرابطة وتجاهلا مخزيا لمطالبها بل وسلوكا دنيئا ضد انشطتها كما حدث في شوارع العاصمة وبخاصة تلك القريبة من مقر قائد الفرقة علي محسن الأحمر ومناطق نفوذ الاصلاح غربي وشمال العاصمة إذ تم طمس وتشويه الجداريات التي اشتهرت في اهم شوارع العاصمة التي رسمها فريق جملة "الجدران تتذكر وجوههم" بقيادة الفنان مراد سبيع. كانت الرسالة التي تلقتها الأسر واضحة؛ ما زال مرتكبو جرائم الاختفاء القسري في دار الرئاسة وفي الحكومة والأجهزة الأمنية!
- في 2013 بدأت فعاليات "مؤتمر الحوار الوطني" في مارس 2013 وظهر أن السلطة (المكونة من المعارضة السابقة وحزب الرئيس علي عبدالله صالح) ليست في وارد الكشف عن مصير المختفين قسريا أو طرح معالجات عملية للملف رغم أن المؤتمر أفرد فريقا للعدالة الانتقالية لكن هذا الفريق غرق في تفصيلات فاضحة من شاكلة من أي نقطة في الماضي نبدأ! وقد ظهرت أطراف ترى أن "الوحدة تجب ما قبلها" بينما رأى أخرون ان الجرائم لا تقتصر على حرب 1994 بل تمتد فوق مسطرة الزمن الى أواخر الستينات وتفشت في عقد السبعينات، شمالا وجنوبا، ثم مورست بشكل ممنهج في النصف الأول من عقد الثمانينات قبل أن تبلغ ذروتها في احداث يناير 1985 في عدن ومحافظات جنوبية اخرى.


- اتضح ايضا أن "مظلومين" جدد لا يطيقون فتح ملفات قديمة بمظنة أن فتح هذه الملفات سيحدث وقيعة بين "المظلومين الجديد" ويعطل مسيرة "الجنوب" نحو الحرية.
والحق أن هواجس "الضحايا" كانت قد ظهرت، أول ما ظهرت، في يونيو 2007 عندما تلقى الصديق والزميل الراحل فهمي السقاف تهديدات من مجهولين تتوعده بالعقاب إذا لم تتوقف "النداء" عن نشر حلقات ملف المختفين قسريا باعتبار ان ما تفعله الصحيفة هو محاولة اثارة الفتنة بين الجنوبيين الذين اغلقوا ملفات الماضي بدعوة التصالح والتسامح. والظريف ان الزميل فهمي السقاف تم تجريده سنتذاك من "جنوبيته" والحاقة بالحجرية هو ورئيس تحرير الصحيفة الذي يقيم في صنعاء!


- اتضح ايضا أن الكلمة العليا في مؤتمر الحوار الوطني (وضمنه فريق العدالة الانتقالية) هي لقيادات سياسية لها تاريخ أمني و"سجل نضالي" في صنعاء وعدن وابين واب ولحج وتعز … وغيرها! وقد ظهر أن هؤلاء يتفذلكًًون ويسرفون في الحديث عن المستقبل والديمقراطية والعدالة في حين كانوا يعملون كل ما بوسعهم من اجل عدم معالجة ملفات الماضي؛ كانوا يبنون مشروع المستقبل فوق أجساد ضحاياهم!
- يتوجب دوما التنويه بجهود عشرات المخلصين في مؤتمر الحوار الوطني وبين هؤلاء الزميلين فهمي السقاف وعبدالكريم الخيواني رحمهما الله. لقد حاولت والعديد من الاصدقاء في ربيع 2013 اقناع اصدقائنا في فريق العدالة الانتقالية بأن جهدهم سيضيع هدر إذا لم يتم فرض نقاط فورية على حكومة الوفاق برئاسة محمد سالم باسندوة تبدأ بأن يقدم وزير الداخلية وقادة الاجهزة الامنية كشفا بالمعتقلين داخل السجون والمعتقلات في محافظات الجمهورية، وبيان بمصير أولئك الذين لا يظهرون في الكشوفات منذ نهاية الستينات. ذلك ان المبدأ هنا يقول بأنه لا يمكن معالجة أثار الماضي في حين ان جرائمه مستمرة. ويحضرني هنا الصديق عبدالكريم الخيواني وهو يروي قصة لقاء عدد من اعضاء فريق العدالة الانتقالية باللواء غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي قبل 1990 في اليمن الشمالي وبعد 1990 في الجمهورية اليمنية. قال الخيواني، بنبرة تفاؤل، إن القمش أبدى استعداده للتعاون مع فريق العدالة الانتقالية إذا تلقى أوامر من رئيس الجمهورية؛ والملاحظ ان القمش كان يدرك ان هذه الأوامر لن تخرج أبدًا من دوائر السلطة لأنها مدججة بمرتكبي جرائم الاختفاء القسري.
——
والحاصل ان مؤتمر الحوار الوطني فشل من يومه الأول، ثم ال الى حروب صغيرة في 2013 و 2014 قبل ان تحترق اوراق الموتمر ووثائقه في 26 مارس 2015 باندلاع حرب أهلية يمنية اقليمية معلنة استمرار الماضي وتسيده على مستقبل اليمنيين.
وقبل 3 أيام اجتمع 4 من اقارب المختفين قسريا هم سلوى على قناف زهرة (1977 صنعاء) وناديا شعفل عمر (امها واخوها اختفيا قسريا في عدن في 7 يوليو 1994) وشفيع علي عبدالمجيد (اعتقل ابوه في 1983 في صنعاء) وتدي مطهر الارياني (اعتقل أبوها في الحديدة عام 1981). وقرروا خطوات استئناف نشاط الرابطة مؤمنين بالحق الذي تنص عليه شرائع السماء والارض، وباليمنيين الذين يؤمنون بأن المستقبل لن يأتي فيما جرائم الماضي لم تغلق بل أن مرتكبيها يبشروننا بمستقبل واعد!

# الوفاق_نيوز


طباعة   البريد الإلكتروني