إمتداد نفوذ المشروع الفارسي والتركي في الوطن العربي .....!!!!

إمتداد نفوذ المشروع الفارسي والتركي في الوطن العربي .....!!!!

إمتداد نفوذ المشروع الفارسي والتركي في الوطن العربي .....!!!!

م. عباد محمد العنسي

في منتصف عام 2010م كان هناك ندوة في مركز منارات في صنعاء حول دعوة الرئيس صالح رحمه الله في القمة العربية التي عقدت في مدينة سرت في ليبيا بداية عام 2010 م إلى إقامة اتحاد عربي كما هو الاتحاد الأوروبي ، والتي كانت آخر قمة عربية قبل الربيع العربي .

كان لي مداخلة يومها وقلت إن أوروبا لها مشروع ولكي ينجح هذا المشروع استدعى الأمر إلى إقامة الاتحاد الأوروبي وفق ماهو عليه الآن ، لكن نحن في الوطن العربي ليس لدينا مشروع واضح متفق عليه عربياً حتى نتمكن من تحديد الآلية المناسبة لإنجاحه ، بعد تلاشي المشروع القومي الذي كان يقوده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله ، وأن المنطقة العربية سوف تشهد في السنوات القادمة تنافس مشروعين هما المشروع الفارسي والتركي ، للهيمنة عليها ، وكان الرد علي من الزميل المتألق دائماً المهندس عبد الرحمن العلفي ، على المشروع التركي بوصفه بمشروع الخلافة .

الان اصبحت الصورة واضحة لإمتداد نفوذ المشروع الفارسي وكذلك التركي في المنطقة العربية وكذلك تنافس المشروع الفارسي والتركي لتقاسم النفوذ والهيمنة على المنطقة العربية وسوف أتطرق في هذا المقال للنفوذ الذي حققه المشروع الفارسي والتركي في الوطن العربي ، ودور الغرب في كلا المشروعين .

اولاً :المشروع الفارسي :

المشروع الفارسي يهدف إلى استعادة الإمبراطورية الفارسية ولكن بعباءة دينية هي عباءة شيعية سلالية هاشمية تحت مفهوم مايعرف بفقه الولاية وبدأ هذا المشروع منذ عام 1978م بعد الثورة الخمينية في إيران تحت ما عرف بمشروع تصدير الثورة الخمينية .

هذا المشروع أصبح واضحاً أنه ينفذ برعاية وتحالف فارسي غربي بقيادة امريكا وفيما يلي نتطرق الى إمتداد المشروع الفارسي في الوطن العربي :

العراق كانت هي الدولة العربية الأولى التي تمكن المشروع الفارسي من مد نفوذه عليها برباعية غربية واضحة فقد كان لإيران الدور البارز في إسقاط النظام القومي العربي في العراق من قبل الغرب بقيادة امريكا ، بتحريك الخلايا الكامنة لأذرع إيران في العراق والتي أدت إلى سقوط النظام من الداخل ، وايضاً لا يمكن إغفال الدور العربي في أسقاط النظام العراقي ، وبعد إسقاط النظام العراقي تم تسليم العراق لأذرع إيران واستبعاد العرب من أي دور في العراق ، وتم ضرب القوى العربية المقاومة للنفوذ الفارسي المتحالف مع الغرب بكل قوة وعنف كما يتم الآن مع قطاع غزة ، ولازالت صورة الفلوجه التي دمرت كما هي غزة هي نموذج لقذارة التحالف الغربي الفارسي .

لبنان هي الدولة الثانية التي أصبحت تحت نفوذ هذا المشروع من خلال ذراعها حزب الله الذي يعلنها بالفم المليان أن ولائه هو لولي الفقيه في طهران وليس للبنان كدولة عربية ذات سيادة .

لكن هذا المشروع لا يزال يواجه مقاومة كبيرة نظراً للتقسيم الطائفي في لبنان ، وحتماً هذه المواجهة التي لاتزال سياسية سوف تتحول الى مواجهة عسكرية يكون طرفيها حزب الله من جهة والقوى السنية والمسيحية المعارضة لهذا المشروع .

الدور الغربي في تمكين النفوذ الفارسي في لبنان ليس واضح كما هو الأمر في العراق ، لكن تلميع ذراع إيران في لبنان كان بتلك الحروب التي خاضها الحزب مع الكيان الصهيوني ، تحت شعار تحرير القدس وعندما جاءت الفرصة لتحرير القدس في المعركة الحالية التي بدأت في 7 اكتوبر 2023م تحول هذا الشعار إلى حبر على ورق ، تلك الحروب هي التي أعطت لهذا الحزب القوة التي جعلت منه قادراً على فرض هيمنة المشروع الفارسي على الدولة اللبنانية .

علماً أن حركة أمل التي هي حركة شيعية وكانت لها الريادة في مقاومة الكيان الصهيوني ولأنها لا تعلن الولاء لولي الفقيه تم إخراجها من جنوب لبنان وفرض الساحة لحزب الله الذي يعلن الولاء لولي الفقيه ، وكذلك حركة فتح ، وغيرها ..

هل سألتم لماذا قَبِل الغرب وإسرائيل اخلاء جنوب لبنان من كل حركات المقاومه عدا فقط حزب الله ، ولماذا لم يتم إخلاء جنوب لبنان للجيش اللبناني بدلا عن حزب الله !!؟؟؟؟!!

سوريا هي الدولة العربية الثالثة التي إمتد اليها نفوذ المشروع الفارسي ، اللعبة في سوريا التي مكنت إيران من مد نفوذها كانت مختلفة عن تمكين إيران في العراق ، فكانت داعش هذه الحركة التي أسست من قِبَل امريكا وإيران هي الأداة التي مكنت فارس من مد نفوذها إلى سوريا رغم أن النظام السياسي في سوريا كان نظام قومي عربي .

في بضعة أيام تم تمكين داعش من الاستيلاء على سلاح الجيش العراقي في محافظات الموصل وصلاح الدين والانبار ، وبعدها تم توجيه داعش نحو سوريا ،

النظام السوري ونتيجة الصراع بين حزب البعث في سوريا والعراق ، وكون الرئيس السوري من الطائفة الشيعية العلوية هذين العاملين جعلت من سوريا في تحالف مع النظام الفارسي وكان النظام السوري هو حلقة الوصل بين فارس وحزب الله في لبنان ، فيما يخص إمداد الحزب بالسلاح .

كان النظام السوري بعد ثورة الربيع العربي ودخول داعش من العراق بين خيارين إما السقوط أو تفعيل تحالفه مع النظام الإيراني وذراعه في لبنان للحفاظ على بقائه ، فكان تفعيل تحالف النظام مع إيران وذراعها في لبنان هو الذي مكن إيران من مد نفوذها على سوريا ، ولكن هنالك نفوذ ينافس نفوذ إيران وهو النفوذ الروسي والذي حد إلى الآن من النفوذ الفارسي ولولا التدخل الروسي لكانت دمشق كما هي بغداد الان ، يتقاسم فيها النفوذ الفرس والغرب .

سوريا تعتبر نموذج لصراع المشروع الفارسي والتركي لمد نفوذهما في الوطن العربي وتقاسمه وسوف نتطرق لذلك عند التطرق للمشروع التركي .

اليمن هي الدولة العربية الرابعة التي إمتد نفوذ المشروع الفارسي إليها ، من خلال ذراعها الحركة الكهنوتية السلالية الحوثية ، فبعد وصول هذه الحركة إلى صنعاء أعلنت طهران أن العاصمة صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي أصبحت تحت نفوذ طهران.

الدور الغربي في تمكين المشروع الفارسي في اليمن اتضح بصورة واضحة للجميع عندما تم منع القوى المعارضة له من الدخول الى صنعاء في 2017م , والتي كانت على مشارف صنعاء وتم إعادتها إلى مأرب ، وايضاً منعها من دخول الحديدة في نهاية عام 2018م ، وإعادتها إلى مسافة 80 كيلو من مدينة الحديدة بعد أن كانت وسط مدينة الحديدة ، بينما هذا الدور كان واضح لمن يقرأون مابين السطور منذ عام 2014م والذي برز بعد معركة هذه الحركة مع السلفيين في دماج ، فكان تدخل السعودية وسحب القوى السلفية التي كانت على وشك الاطباق على هذه الحركة فجأة والذي مكن هذه الحركة من التوجه إلى صنعاء وتسهيل دخولها صنعاء بالتنسيق مع الرئيس هادي الذي خرج لاستقبالهم إلى محافظة عمران معلناً عودة محافظة عمران إلى حضن الدولة بعد أن تم ضرب القوة التي كانت تواجههم وهي محسوبة على حركة الاخوان ، وتحييد الجيش عن مواجهة هذه الحركة وفق ما كان يعلن وزير الدفاع حينها أن الجيش لن يتدخل ، والذي تم تفكيكه وفق ما عرف بإعادة هيكلة الجيش .

المشروع الفارسي في دول الخليج العربي :

لقد تمكنت إيران من تصدير فكر الثورة الفارسية الخمينية بنجاح في شرق السعودية وجنوبها وفي البحرين والكويت وأصبحت أذرع إيران في البحرين وشرق السعودية وجنوبها والكويت جاهزة للتحرك في الوقت المناسب ولم يعد ذلك سوى مسألة وقت ، فكل هذه الحركات ولائها هو لولي الفقيه في طهران و إن لم يكن ذلك معلن بشكل واضح كما يعلن عن ذلك حزب الله في لبنان .

الإعداد لبسط النفوذ الفارسي على منطقة الخليج العربي يبدو واضحاً أنه اكتمل الان بعد أن تم تمكين الفرس من مد نفوذهم على البحر الأحمر ، والعربي والذي تم من خلال تلك المسرحيات التي قامت بها الحركة الحوثية مع كل من بريطانيا وامريكا والتي أدت إلى هيمنة امريكا على البحر الأحمر ، والعربي وتسليم البحر الأحمر ، والعربي للفرس برعاية غربية وذلك بالسماح بدخول البوارج البحرية الفارسية إلى البحر الأحمر ، والذي ما كان أن يتم إلا بموافقة امريكا ، والحال في البحر الأحمر هو صورة أخرى لما تم في العراق , الان المشروع الفارسي يحيط بمنطقة الخليج وكذلك الاردن من كل الجهات ، و البؤرة الكامنه التي أشرنا إليها داخل السعودية والبحرين والكويت جاهزة ، للتحرك في الوقت الذي تصدر لها التوجيهات من ولي الفقيه .

هل سألتم لماذا تحركت البوارج الإيرانية بعد إعلان امريكا تشكيل تحالف لحماية خطوط الملاحة في البحر الأحمر إلى البحر الاحمر ؟ وهي ليست جزء من التحالف !!!

الأمر هو نفسه ، مثلما دخلت العراق بعد احتلاله من ذلك التحالف بقيادة امريكا وهي لم تكن جزء من التحالف ..!!!!

إنّه الفكر الباطن الذي يظهر عكس ما يخفي يطبق بصورة سياسية

اعتقد أن الإعداد لإمتداد نفوذ المشروع الفارسي على الخليج قد استكمل الان و ان الأشهر القادمة ستشهد بسط النفوذ الفارسي بالشراكة مع الغرب على الخليج العربي ، وكذلك الاردن ، تقع في هذا النطاق الذي استكمل الإعداد له , مالم يحدث شيء يقاوم هذا المشروع

علما أن هيمنة الغرب على دول الخليج العربي قائمة حالياً ولكن التحالف الخفي بين الغرب والفرس يقتضي أن تكون هناك شراكة في الهيمنة الغربية والفارسية نظراً لثقة الغرب في الحليف الفارسي، كما حدث في العراق .

ثانيا : المشروع التركي :

بدأ المشروع التركي في المنطقة العربية بشكل واضح بعد وصول حزب العدالة والتنمية التركي إلى حكم تركيا في عام 2001م وهو حزب يحمل عباءة الدين السنية ، القائم على فقه الخلافة ويعتبر هو القائد لحركة الإخوان ، مع أنه بدأ بصورة غير واضحة في عام 1971 على يد نجم الدين اربكان وهذا المشروع هو قائم وفق فقه الخلافة ، واذرعة في المنطقة العربية ، هي حركة الإخوان المسلمين ، وقد عملت هذه الحركة للترويج له والتبشير بعودة دولة الخلافة العثمانية في عام 2023م .

ملاحظة هامة : الغرب لايمكن أن يتحالف مع المشروع التركي ، فهذا المشروع هو عدو تاريخي للغرب ، ولم يتم وقف زحف تركيا ( العثمانية ) على الغرب الا من خلال التحالف مع الدولة الصفوية الفارسية وواضح أن التاريخ يعيد نفسه اليوم .

بدأ تنفيذ هذا المشروع عملياً بما عرف بثورات الربيع العربي والذي كانت حركة الإخوان هي الأداة الفاعلة لتنفيذه ، ورغم ظهور التعاون التركي مع الغرب في ثورات الربيع العربي ، إلا أن مجريات الأحداث إلى الآن تظهر أن هذا التحالف الذي كان بارز في ثورات الربيع العربي كان هش و مؤقت ، وان التحالف الغربي مع المشروع الفارسي هو متين وأنه امتداد لذلك التحالف الذي تم في عام 1515م بين الغرب والدولة الصفويه ، وفيما يلي نتطرق لإمتداد النفوذ التركي في الوطن العربي :

الصومال : تعتبر الصومال هي الدولة العربية الأولى التي إمتد إليها المشروع التركي ، وأصبحت الصومال تحت النفوذ التركي بإستثناء مايعرف بجمهورية أرض الصومال الغير معترف بها دولياً.

الدولة العربية الثانية هي ليبيا ، فقد كانت ثورة الربيع العربي في ليبيا هي التي نجحت ومكنت المشروع التركي من مد نفوذه إلى ليبيا ، و إن كان لايزال هناك مقاومة لهذا المشروع من خلال جمهورية مصر واذرعها في ليبيا بعد أن فشل فيها الربيع العربي و اضطرت تركيا إلى الاستسلام لذلك الفشل بإعادة علاقتها مع جمهورية مصر العربية ، ويجب أن نشير هنا إلى فشل هذا المشروع في تونس ، وفشله مبكراً في الجزائر التي كانت اول دوله تمكنت حركة الإخوان من الوصول إلى السلطة فيها.

في سوريا تمكنت تركيا من مد نفوذها من خلال اذرعها جبهة النصرة وغيرها والتي هي حركة خرجت من رحم حركة الإخوان وذلك في محافظة ادلب و جزءاً كبيراً من محافظة حلب ودرعا ، وايضاً اجزاء من محافظة دير الزور ، وصراع المشروع الفارسي والتركي في سوريا واضح جداً ، وايضاً واضح مقاومة الغرب للمشروع التركي في سوريا ، بينما تظهر الصورة مختلفة في مواجهة الغرب للمشروع الفارسي في سوريا وأن تركيز الغرب هو مواجهة النفوذ الروسي في سوريا.

دول الخليج العربي :

في دول الخليج العربي لم يتمكن المشروع التركي من النفوذ سوى في دولة قطر وهي الدولة التي تعتبر مركزاً لحركة الإخوان ، حيث أصبح لتركيا قاعدة عسكرية في دولة قطر ، إلى جانب القاعدة الامريكية ، وفي قطر يبدو أن الغرب لم يقرر بعد في مواجهة النفوذ التركي ، فقطر يتقاسم فيها النفوذ الغربي والتركي ، عسكرياً .

في السودان كان ذراع المشروع التركي- حركة الاخوان - هي التي تحكم السودان منذ ثورة الإنقاذ في عام 1989م ، بقيادة الرئيس عمر البشير الذي أطاح به الربيع العربي في السودان ، والذي لم يكن ربيعاً يقوده الإخوان كما هو في بقية الدول العربية ، ولم يتمكن ذلك الربيع من تحقيق أهدافه فقد حافظ الجيش السوداني على تماسك الدولة السودانية ، والذي يعتقد أن قيادات الجيش ولائها لحركة الإخوان التي هي ذراع المشروع التركي.

في عام 2023م واضح أن الغرب من خلال ذراعه الامارات بشكل واضح ، والسعودية بشكل غير واضح وجهت لمقاومة المشروع التركي في السودان بدعم وتمويل قوات الدعم السريع ، التي تحاول الاستيلاء على السلطة ، وفي اعتقادي أن ما يجري في السودان الان هو صراع ضد ما يعتبره الغرب نفوذ للمشروع التركي .

يلاحظ أن تلك القوى السياسية التي كانت إحدى مخرجات الربيع العربي بقيادة عبد الله حمدوك رئيس الحكومة بعد هذا الربيع قبل أيام تحالفت مع قوات الدعم السريع بقيادة (حمدتي) التي تمردت على الجيش السوداني وكان رد الحكومة السودانية واضح أن الهدف من ذلك هو تقسيم السودان اي أن هذا التحالف هو إستكمال لتنفيذ ربيع السودان.

اخيراً المشروع التركي في اليمن ، هذا المشروع لم يتبلور بشكل واضح كما هو في ليبيا ، وغيرها بالرغم أن جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب الإصلاح هي ذراع المشروع التركي في اليمن.

وواضح أن الغرب بأذرعه السعودية ، والامارات يعمل لصالح المشروع الفارسي في اليمن ، وضد المشروع التركي ، وقد أوضحنا ذلك الدور في التطرق لتمدد نفوذ المشروع الفارسي .

لكن الوضع في اليمن قابل للتغير ، في أي لحظه ، لان مقاومة المشروع الفارسي والتركي في اليمن أصبحت مقاومة شعبية يمكن أن تنفجر في اي وقت بمجرد ظهور قيادة لهذه المقاومة الشعبية .

السؤال هنا هل مايحدث في غزة هو غطاء لاستكمال هذا المخطط ؟

أم أن مايحدث في غزة سيؤدي إلى إفشال ذلك ؟

وهل سينفجر هذا التنافس على الهيمنة لأهم منطقة في العالم إلى صراع عسكري دولي ؟؟

الأيام والأشهر القادمة ستظهر ما تحت الرماد .!!!!!

10 يناير 2024م


طباعة   البريد الإلكتروني