الغربي عمران.. المبدع شيطان لا يتررع الا بالرجم

الغربي عمران.. المبدع شيطان لا يتررع الا بالرجم

الغربي عمران.. المبدع شيطان لا يتررع الا بالرجم

 

(الوفاق نيوز): إجرت صحيفة الشروق التونسية حوارا هاما مع الأديب اليمني محمد الغربي  عمران، أجرته الصحفية وحيدة المى ونشرته في ملحقها الأدبي بتاريخ 5 يناير 2023.

نعيد نشر الحوار كما نشرته الصحيفة التونسية في عددها الورقي:


: لماذا اخترت الطريق الصعب؟.
دعيني أعبر لك عن شكرا لما تقومين به من أنشطة وما تعلنينه من تمرد ونقد ازاء جمود حياة، بتحويلك الممكن إلى حيوات متجددة وخلاقة. شكرا لأروع متمردة


لا توجد صعاب بقدر ما نظنها صعاب، بل هي مسالك حياة، فوجود كل كائن وجود نادر، تأملي لو أن والدتك لم تتعرف على والدك، أو أنهم في تلك الليلة لم يفكروا بلقاء حميمي، وهكذا أسلافها إلى آدم، بمعنى أن نسبة وجودك من الندرة الندرة بمكان. إذا هي حياة وكل لحظة أن نعيشها بجنون، فلا صعاب لا صعاب. بل حياة وتعبير عن وجودنا النادر جدا
2/ لا ممنوع في كتاباتك يتداخل فيها السياسي بالديني والفكري و الاجتماعي ، ما الذي يجعل سقف الجرأة لديك مرتفعا؟
تونس مثلت بفضل نهج بورقيبة في التعليم وسن قوانين المساواة، والحد من غول الدين، مثلت وطن الأمل للمساواة والتعايش وسط مجتمعات متغولة. أن تعيش المرأة كما هو الرجل. وإن حصلت انتكاسة للأمل الذي لا زلنا نتابعه والمتمثل بمجتمع تونس. اذا الهم هو الإنسان وبيئة طبيعية فيها المساواة والديمقراطية والعدل على أسس ليبرالية. ولذلك ترين ذلك التداخل في أعمالي، بينما هي أصوات تحلم بحياة باسمة حياة انسانية يختفي منها تسلط العسكر وتجار الدين وذوي الميول التسلطية.


تكون المرأة انسان دون تأثير الدين والجهل وهيمنة الثقافة الذكورية، مستلهما شخصيات من روح بورقيبة تونس.


هي ليست جرأة بل إيمان بإنسانية الإنسان. الأدب والفكر إن لم يجمح محطما كل النواميس، المسلمات، المطلق، وكلما ما يتصف بالحقيقة.. لأن لو وجود للحقيقة ولا المطلق. الكون يتمازج في تكوينات بنسب ويتكئ على النسبية لا المطلق. اذا علينا أن نراهن على النسبية، تعدد الأصوات وقبول الآخر، ونشجع المختلف... الخ

 

3/ تكتب الرواية العجائبية وتحرّض من خلالها على مراجعة القناعات والأفكار ووجهات النظر ، ماذا تريد بالقارئ؟.


أن ينظف عقله من كل ما أملي عليه دينيا واجتماعيا وسياسيا، أن يكون نفسه لا نسخة لغيره،أو كما أرادوا أن يكون . فالعقل أجدى بأن يمجد لا لأصنام شكلوها وزرعوها فينا لنعيش أعمارنا نرعاها ونغرسها في عقول غيرنا. أريده أن يعيش حرية سقفها الثقب الأسود، فما نعيشها اليوم ليست حياة مقنعة، بل جمود نكرر المكرر سياسيا واجتماعيا ودينيا... ولا حياة إلا بتحطيم تلك الأصنام وما يمجدها


4/ تقدم الحياة في أبشع صورها.َ عنف ، تطرف دموية اقتتال طائفي و مذهبي وظلاميّة ، لماذا النبش في الوجع العربي؟

 

الدين معضلة ، الف وأربع مائة سنة نحارب الطواحين، أنهر دماء مستمرة، مقابر تتسع، مقامات تشيد، نعيش في غيبوبة وغباء أننا الأفضل وأنا خير أمة... والأمة الوسطى... الدين أينما حل يحل التسلط والهيمنة والاستغلال والتجهيل. وهذا ليس وجع عربي بل وجع إنساني، فلا إيمان لي بالسلالية ولا القومية ولا الطائفية، أنت إنسان وما تلك الحدود والأعلام وكل ما يكرس التفرقة بين البشر إلا حدود لحظائر تجار الدين، ولرؤوس الأموال. كل منا إنسان فحسب وعلينا أن نعمل من أجل تحطيم كل حدود تحد من إنسانية الإنسان في حياتنا وأعمالنا دينية أو سياسية او عرقية وأين كانت

 

5/ يبقى الحب في كتاباتك نقطة ضوء في العتمة ،هل ما زالت للحب سلطة في هذه الحياة المركّبة؟


تخيلي أسئلتك صعبة، بدأت أكتب الردود وعند هذا السؤال توقفت، كونه عن الحب، هذا من أصعب الاسئلة، فما الحب، هل هو الجنس، أم المودة، التقدير، العطاء، العمل، الونسة، الوجود... شيء محير هذا الحب الذي أفرغناه من معناة، ونحن بحاجة إلى إعادة التفكير به بعيدا عن تأثيرات غيرنا لمفهوم الحب.


الحب لدي أكتب. ولا يزال له سلطة على حياتنا نعم يبقى الحب أفق مضيء . ولذلك كل الروايات وفنون الرسم والموسيقى والرقص ... ذلك حب. الم أقل لك أن هذا السؤال صعي!.


6/ تنفلت نصوصك من المحلي لتخاطب الانسان في مواجهة توحش الحرب والايديولوجيا وهموم المشترك كيف تُمنح الكتابة بعدها الكوني؟

 


تخيلي الأرض بدون حواجز عرقية أو دينية أو حدود سياسية، تخيلي الأرض ورقة كبيرة نرسم عليها الغد بأحلام إنسانية، فلإنسان هو الإنسان على تلك الورقة، وما يكتب ويعزف ويلون وينحت ما هو إلا فعل إنساني يتجاوز تلك الحدود ، اقرائي وأسمعي وشاهدي والمسي ملغية من عقلك تلك الفواصل، سترين كل شيء كوني إنساني. وكلما نصنعه هو فعل إنساني يفهمه كل إنسان له حس ووعي. الكتابة الإبداعية وكل الفنون تحمل في جوهرها أبعاد إنسانية مناهضة للظلم والعنف والتفرقة والاستغلال. فلا إبداع بدون أبعاد إنسانية في مضمونها وشكلها الفني، وما أكتبه إلا ذرة في كون من الجمال.


7/ رسائل كثيرة توجهها إلى القارئ فلا حياة خارج الحب و الوعي، هل نقول إنك تكتب أدب الموقف؟


الكاتب موقف، الإنسان بشكل عام موقف، والحياة مسرح لصنع المتخيل، لا أن نقف في موقف المتلقي، الموقف هو التجديد، المختلف، الرأي القادم ليس من كردة فعل لما يدور، بل بتحديد توجهك سلبا او إيجابا. أمام صراع الجمال والقبح، و الخلق والجمود.


ليست رسائل فقط وإن كانت مواقفنا القيمية تتضمن الكثير من الجزئيات الصغيرة والتفاصيل التي يمكن أن نصفها بالرسائل، هنا إنسان بما يشمل من قيم التسامح والحرية والحب. وهناك النقيض. إذا نكتب لنزيد من مسحة الحرية، مزيد من السلام، مزيد من المساواة، مزيد من الحياة والتمرد مزيد من تحطيم أغلال هيمنة الدين وذوي النزعات التسلطية على مستوى الأسرة والشارع ومؤسسات المجتمع والنظام. نكتب من موقف أن الحياة لا تحتمل إلا الحب والجمال والمساواة .


8/ عناوينك مثيرة ومستفزة ومخاتلة نذكر منها :ظلمة ميائيل، بر الدناكل،مصحف أحمر ،حريم أعزكم الله، مسامرة الموتى .. لماذا يحتشد العنوان بالسَؤال والحيرة؟


آخر ما اضع في أعمالي هو العنوان، وكثيرا ما يكون للناشر رأي، يخشى الرقابة ويميل لنزعة التاجر بعيدا عن المنع، فمثلا روايتي ظلمة يائيل، كنت قد أخترت لها "ظلمة الله" كعنوان نهائي، إلا أن جائزة الطيب صالح بعد فوز الرواية وضعت عنوان "ظلمة" لها، ثم نشرت في السعودية عن دار طوى بعنوان آخر "يائيل" ثم عن دار العين في القاهرة بعنوان "الطريق إلى مكة"، وأخيرا الهيئة المصرية العامة للكتاب نشرتها بعنون "ظلمة يائيل". من خلال ذلك ترين مسار العنوان وكيف يولد.


رواية أخرى نشرت في بيروت عن دار الساقي اللبنانية بعنوان"الثائر" رافضة عنوان أخترته أنا للرواية "خنثى" ، وهكذا مملكة الجواري الفائزة بجائزة كتارا، نشرت عن دار الهلال المصرية بعنوان "مسارة الموتى".


لذلك أعاني من رفض دور النشر لما أقترحه من عناوين. وحجتهم أن السوق و الرقابة و بعض الدول ترفض دخول الأعمال ذات العناوين المثيرة..


والعنوان لدي هو عمل قائم بحد ذاته، يجب أن يثير القارئ يبعث على التساؤل، وليس بالضرورة أن يعبر عن المحتوى، مثله مثل الغلاف، لكني لست مع الابتذال، بل مع ما يأتي ضمن السياق، وتطور العمل وعلاقاته ببعضه.


الأن أنا في اللمسات الأخير لعمل روائي جديد، كنت قبل ستة أشهر قد أكملته، وعند المراجعة لم أرض عنه، لأعيد تركيبة من جديد، ليظل العنوان هم يؤرقني ، أن أنتهي من العمل ثم يبدأ اختيار العنوان ليس المناسب ولكن ما يثير التساؤل.


9/ لماذا صودرت رواية مصحف أحمر وأثارت ضجة ؟


منعت لعنوانها، وليس لما تحمله من فكر، إذ أن الرواية تناقش فكرة ساذجة، وهي أن الأديان جذرها أسطوري واحد، وما الاختلاف إلا أن كل متسلط يريد تأسيس حضيرة خاصة بأتباعه، بنزعة التسلط والهيمنة، وبابتكار ما يرعب الأتباع. موحيا لهم طريق الخلاص الخاص به، مسفها أديان غيره. الرواية ليس فيها جديد، غير فضح جذور الأساطير وابتكار ما يرعب الإنسان. والأصل في أي مبدأ هو الحب التسامح الحرية. مصحف أحمر أخذت هالة أكثر مما ينبغي لأنهم أحسوا بعري عقولهم وما يدعون إليه من تجهيل وتسفيه للعقل.

 

10/ كيف استطاع رجل فلاح مثلك أن يغوص في واقع اليمن المرّ وينبش فيه وينتصر للمهمّشين بدل تلميع الصورة؟


تخصصي تاريخ معاصر، ومن يدرس التاريخ في أي مجتمع محكما عقله لا ما يقال، سيصل إلى نتيجة أن ما نقرأه من تاريخ ليس سوى سير للطغاة، يكتبه المتزلفون لكسب ود المهيمن، ولذلك فما بين أيدينا نسبة كبيرة منه زيف وأباطيل، ، والقليل منه تاريخ للمتسلط المنتصر يفرض كتابة ما يراه. أما المجتمعات ففي الظل، لا يوجد إلا القلة ممن كتبوا تاريخها ينتصر للمجتمع. ولذلك تأتي الرواية لتوازن بانتصارها للمجتمع، من خلال قراءة مالم يذكر، استنتاج ما حدث وليس ما كتب، ليكتب الروائي تاريخ متخيل شخصياته من قاع المجتمع ومن عوام الناس مقدما تاريخ يتمرد على زيف ما كتب. المتخيل هو ماحدث على اعتبار أن نكتب المجتمع وليس السلطوي.


والانتصار بالخيال للإنسان، بتعرية بطلان ما يسمى بالمطلق والمسلمات واليقينيات. لنصرة النسبية في كل شيء.


وما تصنعينه أستاذة وحيدة من خروجك على المتبع والمألوف وما تصنعه الأستاذة فاطمة بن محمود من تمرد كتابي وحياتي يسهم في خلخلة أصنام جبلوا على تمجيد الركود والصنمية. والانتصار ليس للضحية فقط بل حين نكتب ننتصر للضحية والجلاد باعتباره ضحية أيضا لما أملي عليه وجعله يسير في مسارات المسير لا المخير، الانتصار للإنسان ودفعه لإخلاء عقله من أي تبعية وجعل ذلك العقل هو الأحرى بأن يتبع ويمجد. نحن نعيش في بيئات غير سوية وما نحن إلا ضحايا وعلينا بتحرير عقولنا قبل أن تتفوه أو نكتب أو نعزف أو نسير ونتنفس.

11/ أين تقيم الآن وما علاقتك باليمن؟


سؤال محير، فالإقامة المكانية شيء والروحية شيء. هناك في قرية معلقة في خاصرة جبل، على ارتفاع الفي متر من سطح البحر، عادة ما أتوق لإرتشاف قهوتي في مكان يوازي نظري طيور محلقة سحب مسافرة، وقمم تتكئ عليها زرقة السماء، وتخلد إليها الشمس قبل الغروب. حيث نافذة تذكرني بإنسانيتي وصورة بالأبيض والأسود تعيدني إلى زمن أظنه قادم وفي متناول القلب.


تارة بين إسكندرية والقاهرة وأخرى بين صنعاء وعدن، وأحيانا دمشق والمسافة إلى حلب، أنتظر أن يسمح لأتنقل بين البيضاء ومراكش، فاس ووجدة.. او الجزائر وقسنطينة... وكثيرا ما أقيم متمددا على سرير وبين أحضاني لابتوب، متنقلا من حرف إلى آخر، ومن كلمة أصنع منها قارب ومعنى يضحكني حتى أدمع، جُمل أسكنها وتسكنني. وإن ظلت اليمن تسكنني.

12/ كيف كانت طفولتك؟

 

كل الطفولات ممتعة، خاصة في حضن الريف، فلا أروع من ثغاء الحملان، ورغاء الإبل، ونباح كلب صديق، حيث نرقب شمس الميتين لحظات الغروب، هناك حيث يظن الأطفال أن كل الدنيا وكل الكون قريتهم وما يحيطها من جبال وسماء. ليكتشف بعد حين كم كان رائعا لو ظلت قريته كل الكون.


13/ ما هي هوايتك؟


كانت كرة القدم، ثم التصوير الفوتوغرافي والرسم، ثم السفر وحتى لو سكنت في تابوت، أظل مسافر.
14/ هل لديك طقوس في الكتابة؟
كثيرا ما أضحك لسماع بعضهم يتكلم عن طقوس الكتابة: السهر، أو أن ينزوي بحثا عن الإلهام والهدوء. أو يتأنق ويتعطر ليدخل بذلك في طقس الكتابة.


أنا كل أوقاتي مناسبة ، حتى ضجيج المقاهي، وصخب أغنية بلغة لا أفهمها، عربية قطار، صالة مطار ، لا فصل لدي ولا طقس وكل الأوقات والأوضاع مناسبة أن أقرأ أو أكتب لأنسى الوجود. أن أكتب لأنسى ما حولي وأعانق تلك الكائنات لأكون معها في صحراء قاحلة إلا مني وهي.

15/ ما الذي يشغلك خارج الكتابة؟


أشياء كثيرة، منها نفسي، فدائم الحوار معها، دائم البحث عن الحرية أن أكون معها حتى في ملعب كرة ملئي بالصخب. فالحرية أن لا يشعر بك من حولك. تأمل ما نعيشه كمجتمعات بشرية من ظلم وحروب وهيمنة، باحثين عن حلول لمشاكلنا من خارج أنفسنا بينا حلولها تنبع من داخلنا.


هيمنة الفكر الديني يشغلني وما يبنى عليه من نمط حياة كسيحة، كيف نتجاوز هذه المعضلة الم أقلك أشياء كثيرة ولو بقيت أعددها لن أخلص.
وأضيف سؤال أخير إن سمحتي لي.


16/ النقد.
سأحدثك كقارئ شغوف. أنا راض جدا عما وجه لأعمال من نقد، فالمبدع شيطان لا يترعرع إلا بالرجم، لكني أصبحت مؤمنا أن زمن القارئ الناقد قد بدأ، مقابل خفوت مساحة الناقد الأكاديمي، بعد أن بدأ يفقد منابره يوما بعد يوم، مجلات وصحف كانت حكرا عليه. القارئ الذي اتسعت مساحته من خلال فضاء شبكات التواصل الاجتماعي أفق لما يود قوله، أن يتحدث عن أعمال أعجبته أولم تعجبه، بعيدا عن تقعير بعض الأكاديميين، وترديدهم لمصطلحات وأسماء مللنا سماعها. متمنيين ان نسمع منهم ما يدلل على أثرهم، بصمتهم ، بديلا عن ترديد مقولات غيرهم. مع اعتزازنا بقلة من الأكاديميين، من يكتبون أنفسهم بلغة ومفردات تخصهم.


اذا لزمن زمن شلل الناقد وبزوغ فجر القارئ.


أشكرك عشت أيام مع أسئلتك، أكتب لبعض الوقت لأذهب لعمل آخر، ثم أسمعها تدعني، وهكذا.


#الوفاق_نيوز


طباعة   البريد الإلكتروني