بناء الجسور : نهج روسيا في التعاون الدولي

بناء الجسور : نهج روسيا في التعاون الدولي

بناء الجسور : نهج روسيا في التعاون الدولي


نواف ابراهيم-(الوفاق نيوز):


السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبقوة يقول : في ظل المتغيرات الدولية الدراماتيكية القائمة حاليا لمن أدارت روسيا ظهرها من القارات ولمن أدارت وجهها ولماذا؟

في سياق حديثنا هذا سوف تتوضح الكثير من التساؤلات التي تبحث لنفسها عن أجوبة من خلال الغوص في كنه العقيدة السياسية الروسية المتجددة

باديء ذي بدء من الضروري لفت النظر إلى أن روسيا ثبتت في عقيدتها الإستراتيجية مبادىء هامة لبناء هذه العلاقات مع جميع الدول في كل قارات العالم، وروسيا إنطلاقاً من خبرتها التاريخية في بناء العلاقات الدولية أكدت على أن جسور التواصل كما هي مهمة للربط بين المجتمعات، هي ضرورية لتكوين علاقات استراتيجية والحفاظ عليها يحقق المصالح والمنافع المشتركة. هذا هو أحد العوامل الرئيسية التي تمكن مجموعات الأفراد والمنظمات والحكومات من إمتلاك استراتيجيات مختلفة من شأنها الإسهام في بناء العلاقات والحفاظ عليها، إذ تعلن البلدان من شمال العالم إلى جنوبه عن أهداف الشراكة وتوّضح إجراءات تحقيقها، ويأتي هذا في إطار تصريحاتها عن سياستها الخارجية، كذلك يمكن للرؤساء أيضًا الإدلاء ببيانات شفهية بهذا الخصوص عندما يقتضي الأمر ذلك.

بطبيعة الحال هذا كله معروف بالنسبة لموسكو، ولهذا السبب بالذات، دأبت موسكو على مدى عقود من الزمن على العمل بجد من أجل تطوير التفاعل والتعاون مع الحكومات والمنظمات ذات الصلة بناء على أساس أفضل التجارب العالمية، وبإعتبارها أحد المراكز السيادية للتنمية العالمية. من المعروف لدى الجميع أن موسكو لعبت دورًا تاريخيًا فريدًا في تشكيل النظام المعاصر للعلاقات الدولية وفي تحييد النظام الإستعماري العالمي. رسالة موسكو تتمثل في الحفاظ على توازن القوى العالمي وإنشاء نظام دولي يتسم بالتعددية القطبية، ولذلك فإن روسيا، تسترشد بمبادئ المساواة في السيادة والإحترام المتبادل للمصالح، وتسعى جاهدة للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي وتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

واضح للعيان أن السياسة الخارجية الاستراتيجية للإتحاد الروسي تتجه نحو بناء نظام عالمي عادل ومستدام،والحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتعزيز قيم التعايش السلمي والتطور التدريجي للبلدان والمجتمعات، وتساعد في تطوير الإستجابات الشاملة للتحديات والتهديدات المشتركة، وتعزّز التعاون متبادل المنفعة مع الدول الأجنبية ومنظماتها، وتتصدى للأنشطة والأعمال المناهضة لروسيا، وتقيم علاقات حسن الجوار مع الدول المجاورة، وروسيا تساعد الحلفاء والشركاء في تدعيم المصالح المشتركة وتقوّي إمكانات الإتحادات الإقليمية متعددة الأطراف وهياكل التكامل فيها وفيما بينها.

أيضا يسعى الإتحاد الروسي إلى تعزيز مكانته في الاقتصاد العالمي، وضمان تحقيق أهداف التنمية الوطنية وحماية مصالح الدولة في محيطات العالم وفضاءه وأجوائه، و السياسة الروسية تهدف أيضًا إلى توسيع الدور الروسي في المجال الإنساني على كامل الساحة الدولية، وتحصين حماية الحقائق التاريخية وحماية الحقوق والحريات والمصالح المشروعة للمواطنين الروس والمنظمات الروسية في الخارج، بالإضافة إلى ذلك، تعمل روسيا على دعم عرى التواصل والعلاقات مع مواطنيها الذين يعيشون في الخارج، بما يضمن حمايتهم والدفاع عن حقوقهم وهويتهم الثقافية، وفي إطار سعيها لتعزيز أسس النظام المالي العالمي، تأخذ روسيا على عاتقها دوراً رائداً في المشاريع المالية الإقليمية وتشرع في تنفيذها.

إضافة إلى ما أتينا على ذكره آنفاً، قام أحد محللينا المتخصصين بدراسة مفهوم السياسة الخارجية للإتحاد الروسي الذي تم نشره مؤخرًا بهدف تحديد عدد الأهداف والوسائل التي تمتلكها الدولة للقارات على مستوى العالم، بالإضافة إلى نتائج بناء علاقات دولية مستدامة، وينص برنامج الوثيقة السياسية بوضوح على أن الأولويات الرئيسية للإتحاد الروسي تكمن في إقامة نظام عالمي عادل ومستدام، تحقيق سيادة القانون في العلاقات الدولية، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين .

فيما يتعلق بالأهداف، يوضّح التحليل أن الإتحاد الروسي يحتفظ بعلاقات دولية أكثر جدية مع دول أوراسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأنجلوسكسونية الأخرى مقارنة بدول الوسط المحيط القريبة،والقطب الشمالي، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، وكذلك القارة القطبية الجنوبية. يشير محللنا إلى أن هذا لا يعني بالضرورة أن الإتحاد الروسي لا يسعى للحفاظ على العلاقات مع حكومات دول هذه القارات، وفي رأيه أن هذا يشير فقط إلى مستوى تحديد الأولويات بما يخدم تطوير الأهداف وتحقيقها.

وفي ذات الوقت، يظهر التحليل أن النقص أو الفجوة في تحديد الأهداف تبدو أنها تكتمل بحجم الأموال المخصصة لقارات بعينها: في المحيط القريب، والقطب الشمالي، وآسيا والمحيط الهادئ، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، والقارة القطبية الجنوبية. على سبيل المثال، يوضح التحليل أن منطقة الوسط المحيط القريبة ، بما فيها بلدان رابطة الدول المستقلة، أي أرمينيا وأذربيجان وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان، لديها أكثر من 22% من المصادر المالية الأربعين المخصصة لدعم الدول الصديقة كما هو في الوثيقة السياسية. من ناحية أخرى، تم تخصيص نسبة كبيرة من الأموال لمنطقة القطب الشمالي، وآسيا، والمحيط الهادئ، والعالم الإسلامي، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، والتي كانت أهداف روسيا فيها أقل. ولكن يشير محللنا إلى أن هذا قد يكون مرتبطاً بإهتمام الاتحاد الروسي في الوقت الأخير بهذه القارات ويأتي في سياق النظام الجيوسياسي الجديد و التعددية القطبية.


طباعة   البريد الإلكتروني