وجدي الاهدل..كم يداً في أصابعه

 وجدي الاهدل..كم يداً في أصابعه

سامي الشاطبي _ (الوفاق نيوز): رغم مرور ربع قرن من الارتباط بوجدي الاهدل بصداقة عميقة، الا انه مازال، حتى اللحظة، يمثل بالنسبة لي علامة استفهام كبيرة!
أول ما عرفت وجدي الاهدل كان قبل العام 1997م ..كان آنذاك شخصية مشهورة ككاتب قصص ساخر وله صولات وجولات في عوالم السرد والصحافة..
قرأت له قصة عن شخص ينقسم الى شخصين، فكتبت على ضوء هذه القراءة قصة بعنوان (سباعية الأنا) عن شخص ينقسم الى سبعة اشخاص..وعرضتها عليه ..
لم اكن قد بدأت نشر قصصي القصيرة في الصحافة آنذاك..لم اتوقع مبادرته الطيبة بان اعاد تصحيح القصة والدفع بها للنشر ..
ومنذ ذلك اليوم ..صرنا أكثر من أصدقاء ..هو استاذي وانا تلميذه ..هو معلمي وانا طالبه..هو مديري وانا شيخه!

زهرة العابر:

وجدي الاهدل الساخر المتشكك الرافض للتبعية والصنمية قرر في منتصف العام 1997م ان يفعل فعلاً مغايراً.. كان سائرا في يوم مشمش الى مركز الدراسات الذي يديره الدكتور عبد العزيز المقالح بهدف عرض مسودته الأخيرة لمجموعته القصصية الاولى والمعنونة بـ(زهرة العابر) على الدكتور يتكرم بكتابة مقدمة عنها كما يفعل مع كل الشباب من الكتاب.
وفجاء توقف في منتصف الطريق .. ولماذا هذه التقليدية المفرطة ..كل من يكتب كتابا يتجه الى الدكتور ليكتب مقدمة..سأجعل اصغر كاتب قصة يكتب المقدمة ..فبدلا من اختيار ناقد او كاتب كبير ليكتب المقدمة اختار كاتب قصة مبتدئ وكان الكاتب انا..وبالفعل صدرت مجموعته القصصية زهرة العابر بمقدمة كتبها مبتدئ..  

عناوين حافلة بالمفارقة:

يمثل جيل وجدي الاهدل جيلا مغايرا ومتفردا لانه الجيل الذي اتجاه الى العنوانات الحافلة بالمفارقة 
وتفصيلا لتلك النقطة ساورد ما ذكرة الناقد ابراهيم ابو طالب ..بعد ان عدد محطات الرواية اليمنية  تطرق الى التجديد "وهي محطة التسعينيات وما بعدها .. التجديد- في هذه المحطة كان محسوباً ومحدوداً في بعض محاولات القاصين الشباب، ولم يتحول إلى ظاهرة غالبة – حتى نكون أكثر دقة في هذا التصنيف، وذلك فيما تبرزه بعض كتابات نبيلة الزبير في روايتها «إنه جسدي»(12) 2000م، ووجـدي الأهدل في «قوارب جبلية «(13)، و«الومضات الأخيرة في سبأ»(14) 2002م، و«فيلسوف الكرنتينة»2007م، و«بلاد بلا سماء»،2008م، وهند هيثم في « ملوك لسماء الأحلام والأماني «(17) و«حرب الخشب»(18) 2003م، وعبد الناصر مجلي في «رجال الثلج»(19) 2000م، وسامي الشاطبي في «كائنات خربة»(20)، و«للأمل مواسم أخرى»(21) 2003م، وكذلك أعمال أحمد زين في «تصحيح وضع»2004م، ونادية الكوكباني، في «حبٌّ ليس إلا»، و«عقيلات»، وبسام شمس الدين، في «الدائرة المقدسة» و«هفوة»، وعلي المقري، في «طعم أسود.. رائحة سوداء»، و«اليهودي الحالي»، ومحمد الغربي عمران في «صحف أحمر»، و«ظلمة يائيل»، وغيرها...وجاءت محاولات التجديد هذه على مستوى اللغة، والانشغالات بالشكل والمضمون في محاولة الخروج عن التراتبية الموروثة"
يمكن ان اقول بناء على ما سبق بانني والاهدل ممن جددوا في الرواية مع اضافة هامة تتمثل في ان وجدي الاهدل هو رائد التجديد في اليمن..

نادي القصة: 

الشعر والشعراء كانوا مسيطرين على المؤسسات الثقافية في اليمن والمتاح للقصة والسرد لا شيء ..وكان ميلد نادي القصة ..أعتقد باني المؤسس رقم 10 بحسب بطاقة عضويتي..ونادي القصة لم يتأسس قبل 20 عاما بل عام 1996م ..كانت تدور حوارات ونقاشات في حرم جامعة صنعاء يقودها وجدي الاهدل والقاصة اروى عبده عثمان بهدف تأسيس نادي يعنى بالسرد  ..انضممت مطلع العام 1997م الى الزملاء وبدا النادي في السير بأولى خطواته.. وضع الاهدل شعار النادي (ال مقة) وكان شعارا غرائيبا في تلك الايام رغم ما يحمله من مضامين تاريخية ..نضال وجدي الاهدل انتهى الى وضع مداميك قوية وراسخة لنادي القصة في اليمن وفي العادة التاريخ يتجاهل هذا الجندي المجهول ..
ان رهان وجدي الاهدل بان المؤسسات التي تعنى بالسرد كنادي القصة هي التي ستدوم وتبقى وبالفعل نادي القصة في ظل موات  اتحاد الادباء والكثير من المؤسسات الثقافية يعتبر الاكثر نشاطا وعطاء وحضورا !

بيان الجوع:

اشتدت الاوضاع المعيشية على الاهدل وعزت مصطفى وعلوان الجيلاني ..تناقشوا ماذا يفعلون في ظل اهمال المؤسسات لهم ..قرروا اصدار بيان يدين ما وصلت اليهم احوالهم المعيشية ..تحركت خطوة صوبهم ..وددت ان اكون جزء من البيان فانا ايضا الفاقة كانت تعصف بي .. !
استجاب احمد جابر عفيف صاحب مؤسسة العفيف الثقافية لبيانهم ووفر لهم بعضا من الحياة الكريمة ..حقيقة ندمت حين استجاب عفيف ..لو ضممت اسمي لبيانهم لكنت ممن حظي ببعضا من الحياة !

مواجهات وجدي الاهدل:

بكثير من الصبر والألم على قسوة الحياة واجه وجدي الاهدل صفا طويلا من البغاة المتطرفين ..لقد سوت قصصه فخاخا كثيرة له في حين كان من المفترض ان يكون هو من يضع لها الفخاخ السردية.
قال لي اثناء تعرضه للمحاكمة وسعي احد المتطرفين والمدعو جارالله عمر قتله بدعوى نشر مواد تتعارض والدين والمجتمع "ان الحياة بحد ذاتها ورطة، ونحن عندما نكتب شيئاً ونقدمه للقراء نكون قد تورطنا في الكتابة"
تعرضت سردياته نتيجة لحملة اعلامية من التيار المتطرف في البلد ك" قوارب جبلية " للمصادرة عام 2002  وجرجر الى النيابة العامة للتحقيق معه..
فر الى سوريا ورغم ذلك استمرت محاكمته غيابياً ولم يقفل ملف القضية الا بتوسط الروائي الألماني الحائز على جائزة نوبل غونتر غراس لدى رئيس الجمهورية الاسبق علي عبد الله صالح، الذي رفض تقلد وسام الوحدة اليمنية الا  بعودة الاهدل وإسقاط الدعوى القضائية المرفوعة ضده، وقد استجاب الرئيس وأمر بإغلاق ملف القضية 
في تلك المدة العصيبة على الاهدل تعرض عددا اخر من الكتاب للمحاكمة والملاحقة ولكن بدرجة اقل مما تعرض له الاهدل ..وكنت مع بقية الزملاء ممن وردت اسمائهم ضمن قوائم المطلوبين..انا لم استوعب ما يجري من محاكمات انعكست على الشارع الذي تأهب للاعتداء الا حين دخلت مسجدا يوم جمعة وسمعت الخطيب وهو يلعن الكتاب خادشي حياء المجتمع ويطالب بالتشديد في محاكمتهم واعتقالهم اختتم خطبته بذكر اسماءهم وارفاق كل اسم بلعنة .. " وسامي الشاطبي شطب الله وجهه.."
اغرب ما في امر هذه المحاكمات الشهيرة ان من تناولها في وسائل اعلام الخارج جعل من عباس الديلمي شاعر الحكومة والمؤتمر الشعبي هو الضحية والملاحق والمتهم والشخوص الحقيقين هم الجلادين.. 
اغلق نادي القصة اثر هذه الاحداث والذي كان مقره في دار الكتب ولم يقف على ارضية صلبة الا عام 2000م وبدور وجهد كبير من الروائي الغربي عمران الذي كان اثناءها عضوا في البرلمان.

مشاركات وسفريات
لي مع الاهدل سفريات عدة ومشاركات محلية وخارجية ولكن لا مجال للتطرق اليها هنا ..يكفي ما حدث اثناء رحلتنا في اثيوبيا ..!

مجلة الثقافة:
سبقني الاهدل في وظيفة وزارة الثقافة بسنوات..في العام 2014 كنت سكرتيرا لتحرير مجلة الثقافة اليمنية الصادرة عن الوزارة وكانت اهم مجلة ثقافية عمرها يتجاوز الاربعين عاما..كان مدير المجلة حينها الشاعر محمد الجرادي ..قررنا في يوم من الايام ان نفعل الاتي كسرا للروتين والرتابة الادارية العقيمة وايضا اعلانا عن كراهتنا لمفردة المخلوع التي كانت منتشرة في تلك الايام، وهي ان اجري انقلابا على مدير التحرير واصير انا مدير التحرير وبعد سنة اجري انقلابا على نفسي بجذب وجدي الاهدل من مؤسسة المسرح التابعة للوزارة وتعيينه مديرا للتحرير..
كل ذلك ليس لاجل شيء انما لاجل ان نقدم انفسنا اثناء التعريف ..هذا الجرادي المدير المخلوع الاسبق وهذا الشاطبي المخلوع الحالي وهذا وجدي الاهدل المخلوع مستقبلا! 
ماذا يعني ان يتمسك الفرد بسلطة ولو تذهب البلاد الى الجحيم !

ختاما:
وجدي الاهدل انسان بكل ما تعنيه الكلمة ..وما ذكرته ليس الا اسطر من صفحات ..الخلاصة .. اعيد التذكر بانه ورغم مرور ربع قرن من الارتباط بوجدي الاهدل بصداقة عميقة، الا انه مازال، حتى اللحظة، يمثل بالنسبة لي علامة استفهام كبيرة!
 

سامي الشاطبي
روائي يمني
*كم يدا في اصابعك عنوان لمقال لوجدي الاهدل ارتأيت وضعه كعنوان لمادتي هذه.