تعّرف على شمعة اليهودية التي عرضت نفسها على البردوني وماقصة اهتمام إسرائيل باليمن

 تعّرف على شمعة اليهودية التي عرضت نفسها على البردوني وماقصة اهتمام إسرائيل باليمن

كتب الباحث محمد ناجي أحمد_ (الوفاق نيوز): ظلت "شمعة اليعسوفي" تلاحق الشاعر "عبد الله البردوني منذ عام 1949، أكان في سجن ذمار أو مريضا بداية الخمسينيات في المستشفى بصنعاء.

سألها "البردوني" لماذا بقيت ولم تسافر مع أهلها إلى فلسطين ملتحقين؟

فعرضت عليه رغبتها بأن تتزوجه، وأنها ستعمل على الإنفاق عليه، من خلال عديد مهن حرفية حدثته بأنها ستقوم بها، إنها حسب قولها تحب أن تنفق عليه دون مَنّ، وقد يسافران معا ويغادران اليمن متى ما قررا ذلك!
هل كان بقاء "شمعة اليعسوفي" في ذمار وصنعاء بعد أن سافر أهلها ومن ضمنهم زوجها للالتحاق بالكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة عمل استخباراتي؟ 

هي في ملاحقتها للبردوني كانت بحسب ظن وحذر البردوني تعمل لصالح عامل ذمار للإيقاع بالبردوني ومعرفة حزبه ومن هم معه، لكن عملها في الأساس كان ضمن خدمة الكيان الصهيوني، فقد درست اللغة والنحو من الدروس التي كان يعطيها البردوني لعمها "عزرا" وكانت هي تغلق الباب ثم عليهما، ثم تعود لتتسلل فتستمع الدروس دون أن يشعر بها أحد. لقد أصبحت ضليعة بعادات وتقاليد وثقافة المجتمع وبالشعر واللغة والثقافة العامة بل وفقيهة لغة وشعر.

في أول يوم من عام 1949 زارته "شمعة اليهودية" إلى الحجرة الشرقية "السجن الميزي" الذي نقل إليه من سجن قشلة ذمار، يقول البردوني "وأخبرتني أنها خطت قصائدي بخطها الجميل" وقد عرضت عليه الزواج، ويبدو أنها كانت تتقصى الأخبار والوقائع من أسبابها إلى نتائجها، وتهتم بسياسة حركة 48م كلها كمادة استخبارية لها "لأن زوجها حمل معه قائمة بأسماء السجناء ومكانتهم الاجتماعية والاقتصادية، ومستوياتهم الأدبية ... قالت شمعة : إن زوجها أبرق إليها بأن القائمة ناقصة المعلومات" ص905.

 عرضت "شمعة" الزواج على البردوني فقال لها :" أنا الآن في ثلاثة سجون : قشلة ذمار، والعمى، ومشكلة شمعة التي بزغت من خلف الظن.

فقالت شمعة : أعرف هذا وأريد أن أعينك على تخطي هذه السجون، وتجاوز العقبات، وسأضمن لنا دخلا يوميا في ذمار أو صنعاء، أخيط الملابس النسائية والرجالية، وأخبز للسوق، وأفتل شعيرية، وأبيع أساور وعقود للعرائس، وأقرأ معك الكتب، وأخط ما تملي، ويمكننا أن نسافر معا يدا في يد لو استدعت الضرورة." فتساءل البردوني متعجبا : "فقلت ولماذا هذا التطوع؟

قالت : إني أحب شيئا أفعله، وزوجا أعينه، وعاجزا أُقدره، وبهذا أرقى إلى مراتب صانعات الرجال، فلا أحب الذي يعطيني، بل أريد الذي أعطيه دون مَنّ" ص906-9-7.

بل تُعلن إسلامها لدى حاكم ذمار "غمضان" من أجل أن تتزوج البردوني.

يسألها البردوني : لماذا تخلَّفتِ عن أهلك الراحلين إلى فلسطين؟

"فقالت : لأني قد أعلنت إسلامي وقيدته في محكمة(ذمار) وهذا ما أخطرك على بال الحاكم (غمضان) رعاه الله، لأن في ورقة إسلامي :"إذ ارتضت دخولها الإسلام لتزوجها مسلما عالما هو (عبد الله البردوني) من طلاب المدرسة الشمسية حماها الله"ص924.

لكن زواجها بالبردوني لم يتم لرفضه تقييد نفسه ببيت، أو بمعنى أصح لشكه أنها تجمع معلومات استخبارية ، وتعمل مع عامل ذمار ومع إسرائيل.

حين وجد البردوني نفسه في حبسه "التميزي" في الغرفة وشعر بوجود شمعة اليعسوفي عرف منها تفاصيل شرب المسؤولين للخمر.
 ذهبت لتحضر له طعاما، فبدأت بإحضار قارورة خمر وكأسين، يقول البردوني "كنت أعلم أن اليهوديات يخدمن بيوت المسؤولين، ولم أعلم بتلك التفاصيل، لأننا كنا نستغرب أن المسؤولين يشربون خمرا، وأن اليهوديات يخبئن القوارير بين الطحين، لكي لا يحدث كسر في هذه أو تلك، وكانت هذه الفكرة مستلهمة من الفلاحات اللواتي يخبئن بيض الدجاج في سلال التبن" ص1055. 

حين تم اعتقال البردوني في ذمار بتهمة ظاهرها أنه يعمل في السحر، وباطنها سياسي تم نقله من سجن القشلة إلى سجن القلعة، ثم إلى الغرفة الشرقية في الدار التي عمّرَها عبدالقدوس الوزير، تفاجأ وهو في الغرفة بنزول "شمعة اليعسوفي" كان البردوني يتوجس حذرا من "شمعة" فهي لديه مدسوسة من العامل " علي بن يحيى الهمداني" الذي كان تاجرا في الحبشة، ثم أتفق مع الإمام يحيى على أن يبني ميناء الحديدة، وحين خسر أمواله وقُتِل الإمام يحيى قبل ان يستعيدها ولاّه الإمام احمد عاملا على ذمار تعويضا على ما فقده من أموال. 

وكان البردوني يتوجس حذرا من شمعة، ويتعجب من سفر أهلها إلى فلسطين وبقائها لوحدها في اليمن، وسعيها الحثيث على استقصاء المعلومات الاجتماعية والسياسية وعن الأحزاب، إضافة إلى ثقافتها الأدبية واللغوية.

فقد تعلمت اللغة والنحو عند البردوني، حين كان يذهب لتعليم عمها (عزرا) ، وكانت تخرج حين يأتي البردوني لتعليمه، وتغلق الباب من الخارج بالقفل، وتدخل من فتحة سرية، وتنضم إلى عمها وتشاركه التعلم من دروس البردوني من كتاب " شرح بن عقيل" وكذلك في اللغة كان يملي عليهم الأسماء البشرية والحيوانية، وتعدد أسماء الأمطار، وأعضاء الأجساد البشرية والحيوانية.

عرضت "شمعة" على البردوني وهو مسجون في تلك الغرفة، التي انتقل إليها من السجن، ان تحمل له القصائد والمقالات وترسلها إلى عدن ولبنان وتركيا "فاستنتجتُ أن الهمداني رآها أنجح وسيلة لنفث أسراري واسرار حزبي، وتساءلتْ " هل ينتمي إلى الأحرار، أو أنه حزب آخر؟

قالت يمكنني أن أنشر ما تريد في بيروت، لأن أخي محفوظ يملك مطبعة في بيروت، وينشر كتبا مسيحية وإسلامية وفرنسية وإنكليزية..." ص1054-1057.

ليصل النقاش بينهما إلى المنادمة، فقد قامت لتحضر الغداء " وحين جاءت حطت كأسين وقارورة: هذا قبل الغداء " يخلق الطعم ويخلي القلب شحاذا، وسكبت في الكأسين... وتشعب الحديث عن الشاربين وكمية استهلاك كل واحد من الأثرياء، باستثناء كبار الأثرياء من التجار، وعللت عدم تعاطيهم العرق المحلي لأنهم يجتلبون عيّنة أرقى من عدن وأسمرة." ص1058.

كان عمر "شمعة اليعسوفي" في عام 1949 في الثلاثين من عمرها، هي ليست شمعة طوقي التي قدمها المذيع أحمد الذهباني في سهرة تلفزيونية مع تقية الطويلية عام 1991م.

كلتاهما صهيونيتان إسرائيلتان من يهود اليمن، لكن بينهن فارق في العمر...