لماذا !

لماذا !

مقالات وأراء

لماذا !

هاجر السعيدي 
                                                                                                                                                                                                              عندما يسألني أحدهم هل تنصحينني بدخول قسم اللغة العربية في الجامعة أجيب فورا: لا !
وعندما يسألني مجددا هل أنت نادمة على دخوله أجيب أيضا: لا !   لا أعرف لماذا دخلت هذا القسم ، وهذا ما أنا نادمة عليه بالفعل .
إنه لمن الحماقة الكبيرة أن يقدم المرء على خطوة كبيرة مثل هذه ويخوض حربا ضروسا في الذهاب والإياب والتحصيل والتفوق وهو لا يدري لماذا.
  لماذا لم أدرس الطب بدلا من اللغة ،  لقد كان معدلي البكالوريا يؤهلني لذلك،  كنت على الأقل  سأحاول إنقاذ  الكثير من  الذين ماتوا بسبب التقصير والأخطاء الطبية . لماذا لم أتخصص في الحاسوب ؛ فهو ليس مزاجيا ولا متقلبا ولا يمارس خطايا الإنسان. لماذا لم أختر أي تخصص آخر أقل ضياعا وتعقيدا ؟!
إنها لحماقة كبيرة أيضا حين كنت أظن  أن كبرى مهام تخصص اللغة العربية أن يتخرج منتسبوه وهم لا يخطئون نحويا وإملائيا  ؛ لم أكن أدرك حينها أن اللغة أكبر من ذلك بكثير ، أكبر من استظهار ألف بيت من الشعر،  أكبر من باب الاشتغال وأكثر من معاني حروف الجر وحتى من أوجه إعراب حتى !  وأكبر بكثييير من الإعراب الذي يتهيبه طلاب كليات" القمة ".
  إن من يدرس اللغة بحق سيعرف أنها إنما تحاول دراسة نمطية تفكير العرب وكيف كانوا يصوغون آدابهم ، سيتعلم الخطابات المضمرة خلف تلك الآثار اللغوية ، وكيف كانت تؤثر بها السطات الدينية والسياسة على العامة  ، وقبل ذلك كله سيدرس تاريخ الأدب الطويل وعلاقته بالنقد قديما وحديثا، وما الأدب أساسا وما الأدبية وما الشعرية وبين ذلك كله سيناقش الأيدلوجيات  وعلم الإنسان ،والتاريخ، والفلسفة  وكل ماهو مكتوب باللغة من فكر وأدب ومعرفة ، وسيقرأ الشعر والروايات والخطب والسِيَر وما كتب عنها  وما كتب عن من كتبوها  وستتجلى له حينها مئات المواضيع المتجزئة عن كل ذلك ليختار منها موضوعا يكمل به طريقه إلى الدراسات العليا- إن أراد- ومن بعد كل ذلك سينظر إلى الحياة على أنها نصٌ كبيرٌ ومعقد وعليه -إن أراد امتلاك زمامه وإدراك جمالياته- أن يكون ناقدا   بارعا له   ومبدعا بارعا فيه في  آنٍ واحد !

ومن هنا رأيت أنه من واجبي كمتخرجة من هذا القسم أن أُعرّف به - كما رأيته وجربته- لعل أحدا ما يخطر بباله أن ينتسب إليه وهو لا يدري عنه شيئا ، فيكون ما كتبته هنا ضوءا بسيطا يجعل منه مَعْلما في طريقه ، على أنني أقف منه موقف حياااااد فلا أدعو له ولا أرغَّب عنه ، ولا تسألوني لماذا!

طباعة