مصحف صنعاء يشغل الباحثون دوليا واقليميا.. أقدم نسخة للقرآن الكريم ويختلف عن المصحف العثماني المتداول

 مصحف صنعاء يشغل الباحثون دوليا واقليميا.. أقدم نسخة للقرآن الكريم ويختلف عن المصحف العثماني المتداول 

علي سالم المعبقي _ (الوفاق نيوز): مصحف صنعاء، جدل وتعتيم وسرقات، عاد مصحف صنعاء إلى واجهة النقاش؛ في وقت شرعت مؤسسات بحثية ألمانية برقمنة المصحف لإتاحته للجمهور عبر الإنترنت، اعتماداً على ميكروفيلم للمصحف أنجزه في تسعينيات القرن العشرين، هانز كاسبر جراف فون بوتمر، ضمن فريق ألماني تولى ترميم وفهرسة مخطوطات عُثر عليها في صنعاء عام 1972. إلا أن الميكروفيلم بقي مخفياً، ولم يكشف عنه سوى أخيراً، في عملية يشوبها الغموض، وترتبط بأزمة نشبت قبل أكثر من 20 عاماً، بين صنعاء وبرلين، على خلفية تصريحات منسوبة إلى مستشرق ألماني قال فيها بوجود اختلافات بين مصحف صنعاء والمصحف العثماني.

يشتمل مشروع رقمنة مصحف صنعاء، الممول من وزارة الثقافة الألمانية، على أكثر من 1000 شريحة ملونة، حسبما أكد لـ“يمن سايت”، كريستوف راوخ، المشرف على مشروع الرقمنة. موضحاً أن “بوتمر أبرم عام 2019 اتفاقية مع إدارة المخطوطات الشرقية في برلين، تقضي بإتاحة هذه الصور للجمهور”.

ولم يرد راوخ على استفسارات “يمن سايت”، حول تفاصيل الصفقة التي أبرمت مع بوتمر، المتهم بإخفاء الميكروفيلم بالمخالفة للقوانين الألمانية التي تلزم الموظف المبتعث خارج الحدود بإيداع ما ينجزه إلى جهة عمله، وهي جامعة سارلاند، في حالة بوتمر.

لكن راوخ قال في رسالة عبر البريد الإلكتروني، إن وزارة الثقافة في حكومة صنعاء غير المعترف بها دولياً “رحبت بمبادرة رقمنة المصحف”، ما يشير إلى أن الاتفاق الذي يعتقد أنه أبرم بين صنعاء وبرلين، وقضى بمنع نشر محتوى النسخة الألمانية من ميكروفيلم مخطوطات صنعاء، لم يعد سارياً، خصوصاً بعد سيطرة ما تسمى جماعة الحوثي على السلطة، وهي جماعة لها موقف مختلف من مصحف عثمان.

خلفية الأزمة

يرجع فضل اكتشاف مصحف صنعاء إلى أمطار غزيرة شهدها اليمن عام 1965، أدت إلى تضرر مبانٍ في صنعاء القديمة، بينها الجامع الكبير. ومع انتهاء الحرب بين الجمهوريين والملكيين، بمصالحة وطنية، شرعت الحكومة، عام 1972، بترميم الجامع الكبير؛ فكان أن عثر عمال الترميم على غرفة صغيرة مغلقة تحت المئذنة، بداخلها مجموعة أوراق ورقوق جمعوها في 20 شوالة (أكياس).

في وقت متأخر تنبه رئيس الهيئة العامة للآثار ودور الكتب، حينها، القاضي إسماعيل محمد الأكوع، لقيمة تلك المخطوطات، فطلب مساعدة من حكومة ألمانيا الغربية. وبنهاية أغسطس 1979 تم التوقيع على اتفاقية تعاون بين الجمهورية العربية اليمنية وحكومة ألمانيا الغربية، تضمنت ترميم وفهرسة تلك المخطوطات بتمويل من وزارة الخارجية الألمانية قدره 2.2 مليون مارك.

مثل ألمانيا في ذلك المشروع الذي استمر ما بين 1980 و1997، الدكتور غرد روديغر بوين، أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة سارالاند، وزميله مدرس الفن الإسلامي هانز كاسبار، وهما الوحيدان تقريباً اللذان سُمح لهما بالاطلاع على المخطوطات القرآنية وتصويرها.

لكن تلك المخطوطات، التي بدت حينها بمثابة كنز، نُظمت له معارض في الكويت (1985) وميونخ (1986)، ما لبثت أن تحولت إلى مصدر توتر دبلوماسي وعبء يثقل كاهل السلطات، استمرت تداعياته إلى ما بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014.

تعود الأزمة إلى مطلع يناير 1999، عندما نشرت مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية تقريراً بعنوان: “ما هو القرآن؟”، تضمن تصريحات لرئيس الفريق الألماني في صنعاء، الدكتور غرد بوين، قال فيه إن مصحف صنعاء يختلف عن المصحف العثماني، وإن السلطات اليمنية تحاول التستر على هذه الحقيقة.

كان لذلك العدد من المجلة الأمريكية أن يمر مرور الكرام، لو لم يسارع الباحث الإسلامي المصري فهمي هويدي، إلى كتابة مقال نشرته يوم 11 يناير 1999 جريدة “الشرق الأوسط” السعودية، بعنوان: “غارة أخرى على القرآن تطعن على تنزيله وصدقيته”.

على وقع مقال هويدي أطلقت حكومة صنعاء، خصوصاً التيار الإسلامي داخل حزب المؤتمر الشعبي الحاكم (تأسس في 1982، كجبهة عريضة ضمت جماعات إسلامية سنية وشيعية وتيارات قومية ويسارية)، حملة عبر منابر المساجد ووسائل الإعلام. رداً على المجلة الأمريكية.

حاول جرد بوين وزميله بوتمر تبرئة نفسيهما مما نشرته المجلة الأمريكية، بتأكيدهما أن مصحف صنعاء لا يختلف عن المصحف العثماني سوى في فروق شكلية، حسب ما جاء في رسائل مسربة وجهاها في فبراير 1999 إلى القاضي الأكوع، بيد أن اعتذارهما لم يطفئ شرارة الأزمة.

ففي عام  2000 صدر “كتاب الله في إعجازه يتجلى” لمؤلفه غسان حمدون، وهو سوري الجنسية عمل مدرساً في المعهد العالي للتوجيه والإرشاد في صنعاء، وكلية التربية بجامعة صنعاء. أما الكتاب الثاني المرتبط بتلك الحملة، فجاء بعنوان: “المخطوطات القرآنية في صنعاء منذ القرن الأول الهجري وحفظ القرآن بالسطور”، وهو رسالة قدمتها، عام 2004، الطالبة رزان غسان حمدون، لنيل درجة الماجستير من كلية اللغات والآداب والتربية في الجامعة اليمنية (غير حكومية).

يقر غسان حمدون وابنته رزان أن كتابيهما كُتبا بتوجيهات من مفتي الجمهورية حينها العلامة محمد أحمد الجرافي، والقاضي الأكوع. ويذكر حمدون في موقعه على الإنترنت أن جامعة صنعاء أدرجت كتابه ذاك كمقرر على طلاب كلية التربية.

لكن المفارقة أن المجلة الأمريكية التي وصفت من قبل إسلاميين بالملعونة، حملت لهم بعد أكثر من 21 عاماً من نشر ذلك المقال، صدمة أكبر؛ ليست هذه المرة من المستشرقين المتهمين بمعاداة الإسلام، بل من ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان. ففي مقابلة مع “ذا أتلانتك” نشرت في مارس الماضي، أعلن ابن سلمان تخلي السعودية عن الوهابية السلفية وأحاديث الآحاد المنسوبة إلى النبي محمد، وهي أحاديث تستند على مصدر واحد فقط، وتشكل 99% من إجمالي الأحاديث النبوية، حسب بعض التقديرات.

 
من أخفى الميكروفيلم؟

 
في أبريل الماضي، أطلق الباحث السويسري من أصل فلسطيني سامي الذيب، نداءً بالعربية والإنجليزية والفرنسية، متسائلاً عن مصير ميكروفيلم مخطوطات صنعاء. إلا أن نداء الذيب بدا للبعض بمثابة تهيئة لنشر محتوى الميكروفيلم الذي كان قد سُلم فعلياً عام 2019، حسبما يؤكد راوخ.

والواضح أن إخفاء الميكروفيلم لم يكن تصرفاً فردياً من بوتمر، بل كان توجهاً رسمياً. ففي محادثة صوتية نشرها الذيب في يناير الماضي، يذكر المستشرق المثير للجدل، كريستوف لوكسنبيرغ، وهو زميل لبوين وكاسبار، أن مطالبته بالحصول على صور مصحف صنعاء، كانت تواجه من قبل مسؤولين في الجامعة بالقول: “اسكتوا حتى لا تقع فضيحة”، مشيراً إلى أن تلك كانت رغبة اليمنيين.

تتسق رواية لوكسنبيرغ مع ما نشره الباحث في مجال المخطوطات القرآنية أحمد شاكر، الذي نقل عن “ديفيد هولينبيرج”، مدير مبادرة رقمنة المخطوطات اليمنية، قوله إن الألمان عقدوا اتفاقاً مع اليمنيين، بأنهم لن ينشروا الصور للجمهور، لأنهم -أي الألمان- “لم يرغبوا في أن يكون للميكروفيلم تأثير يقلل من أهمية زيارة النص الأصلي وإجراء أبحاث عنه”.

ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من جامعة سارلاند، إلا أن مصدرين في وزارة الثقافة في صنعاء، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، رجحا صحة الرواية، مشيرين إلى أن حرص الألمان على الحفاظ على طرس صنعاء، هو ما جعلهم يستأذنون سلطات صنعاء غير المعترف بها دولياً، قبل الشروع بنشر المايكروفيلم، “لأن المخطوطات القرآنية موجودة في صنعاء، وليست في مناطق الحكومة الشرعية”.

وتزامن إفراج الألمان عن ميكروفيلم مخطوطات صنعاء، مع تغييرات شهدتها المنطقة، أبرزها هزيمة جماعة الإخوان المسلمين في اليمن والسعودية ومصر، وهي الجماعة المصنفة ضمن تيار النقل المتهم بالجمود، والمعروف تاريخياً بمعارضته للمنهج العقلي في قراءة النص القرآني.

 
ما هو طرس صنعاء؟

يُطلق الطرس على النص المكتوب على جلد حيوان أو لوح خشب أو ورق، بحيث يمكن محو النص وكتابة نص آخر محله. ومن إجمالي 4500 مخطوطة عثر عليها في الجامع الكبير، يُعد “طرس صنعاء“، وهو مصحف غير مكتمل، كتب على جلد حيوان، وحمل الرمز التوثيقي: DAM 01-27.1 ، أهم تلك المخطوطات على الإطلاق، إذ يعود تاريخه، وفق ما بينت تحاليل الكربون المشع، إلى القرن الأول الهجري (السادس الميلادي)، بدرجة دقة وصلت 95%، ما يجعله أقدم نسخة للقرآن في العالم حتى الآن.

لكن أهمية المصحف، لا تكمن في قدمه فحسب، بل لوجود اختلافات نصية بينه وبين المصحف الموصوف بالعثماني، ما قدم للباحثين القائلين بتاريخانية الكتب المقدسة، دليلاً إضافياً لتعزيز فرضياتهم.

أظهرت نتائج فحص طرس صنعاء بالأشعة تحت الحمراء، وجود اختلافات بين النص الظاهر والنص الممحو، وهي النتائج التي شكلت محور الجدل الدائر حول المصحف المرسوم بالخط الحجازي، أقدم خط استُخدم في الكتابة العربية التي لم تعرف التنقيط والتشكيل سوى في وقت متـأخر، على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، المتوفى عام 170هـ (786م).

وما انفك مصحف صنعاء يثير جدلاً واسعاً في العالم. يكفي أن تبحث عبر محرك جوجل عن “مخطوطات صنعاء”، لتحصل على حوالى 254.000 نتيجة، بالعربية، وحوالي 237.000 نتيجة بالإنجليزية، كما تنتشر على موقع يوتيوب عشرات مقاطع الفيديو التي تتناول الموضوع نفسه، بينها مناظرات بثت خلال الشهر الجاري.

النقاش الراهن حول القرآن لا يمثل حالة شاذة، فمنذ جمعه وتدوينه، ظل القرآن مثار جدل وخلاف داخل الإسلام وخارجه. وارتبط بالصراع على السلطة، وبمحاولة فرض لغة قريش وثقافتها. والحاصل أنه “لا يُمكن فصل أو تجزئة تاريخ تطور النص القرآني عن مراحل تطور اللغة العربية الفصحى”، حسبما يرى محمد الهاشمي، وهو واحد من الباحثين العرب الذين تناولوا مخطوطات صنعاء بشيء من الموضوعية.

 
لهجات القرآن

 
تصنف اللغة العربية ضمن سلالة اللغات السامية. وتفيد الدراسات أن العربية الشمالية لم تعرف الكتابة سوى في وقت متأخر، مقارنة بالعربية الجنوبية التي عرفت الكتابة منذ القرن الخامس قبل الميلاد، حسبما تدل النقوش المكتوبة بخط المسند.

عند ظهور الدعوة المحمدية في مكة سنة 610 ميلادية، لم تكن اللغة العربية الفصحى كما نعرفها اليوم لغة يتحدث بها أكثر من 467 مليون نسمة، بل كانت عبارة عن لهجة تخص قبيلة قريش وحدها، فيما بقية قبائل شبه الجزيرة العربية تتحدث بلهجات أو لغات مختلفة.ومازال سكان في سقطرى والمهرة يتحدثون تلك اللغات المندثرة.

لهذا السبب تقريباً اضطر النبي محمد أن يفاوض الملاك جبريل على عدد اللهجات التي سيُقرأ بها القرآن، لكي تفهمه جميع القبائل المحيطة. ففي رواية شبيهة برواية إقرار عدد الصلوات في الإسلام، لكنها هنا معكوسة، يُنسب إلى محمد قوله: “أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إلى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ”.

ويُقصد بالسبعة الأحرف لهجات القبائل العربية السائدة آنذاك. لكن، وعلى الرغم من قول جبريل للنبي: “إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا”، حسبما جاء في الحديث، إلا أن عثمان بن عفان أثناء جمعه للمصاحف وتنقيحها، فرض لغة قريش دون سائر اللغات.

ومازال بعض الشيعة يصفون الخليفة عثمان بـ”حرَّاق القرآن“، في إشارة معاصرة لاتهام قديم وجه إلى عثمان الذي يقال إنه استبعد عديد مصاحف، بينها مصحف ابن عم الرسول علي بن أبي طالب، حسب المصادر الإسلامية.

ويعد عبدالله بن مسعود الموصوف بسادس صحابي، وأول من جاهر بقراءة القرآن في مكة، من أبرز رموز المعارضة المبكرة لعثمان في ما يخص جمع المصاحف.

تذكر المصادر الإسلامية أن ابن مسعود الذي ينتمي إلى قبيلة هُذيل، رفض تسليم مصحفه إلى عثمان، ودعا الصحابة ممن لديهم مصاحف إلى الاقتداء به. وزاد على ذلك أن قلل من كفاءة زيد بن ثابت الذي عينه عثمان على رأس لجنة جمع المصاحف، قائلاً إن زيداً كان لما يزل صبياً في فترة نزول القرآن.

أما أبرز ما يميز ابن مسعود فهو اعتباره سورة الفاتحة والمعوذتين (سورة الناس وسورة الفلق) دعاء وليست قرآناً، وفق ما تقول المصادر الإسلامية نفسها. ولا يعرف مصير مصحف ابن مسعود، إلا أن دراسات تناولت مصحفه اعتماداً على روايات الإخباريين، تشير إلى وجود اختلافات بينه وبين المصحف العثماني.

وبحسب الباحثة الفرنسية إليونور سيلار، وهي واحدة ممن درسوا مصحف صنعاء، فإن النّقطة الأكثر أصالة وإثارة للجدل في طرس صنعاء، أنه يتيح “إمكانيّة احتمال أن يكون نقل القرآن عمليّة تحترم المعنى أكثر ممّا تحترم النّصّ حرفيّاً”.

لكن الحاصل هو أن تعاطي المسلمين مع القرآن مازال يأخذ وجهة غير عقلانية. فلئن أشاد كثير من الإسلاميين بالدور الذي لعبه علم نقد الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد) في ظهور الحداثة الأوروبية، لكنهم في المقابل يرفضون الدراسات التي تتناول القرآن وفقاً للمناهج الحديثة، حتى ولو كتبها مسلمون، ويعتبرونها إسقاطاً غير صحيح على القرآن. وهي الازدواجية التي لفت إليها بوين في حديثه لمجلة “ذا أتلانتك”.

وينظر إلى خطوة الإصلاح الديني التي تشهدها السعودية باعتبارها نتيجة ضغوط دولية فرضتها أحداث 11 سبتمبر2001، إلا أن هذه الخطوة لا تعد الأولى في التاريخ الإسلامي، إذ سبق لعلماء الكلام أن اعتبروا أحاديث الآحاد ظنية، أي تفتقر للدقة والموثوقية. بل خاضوا في مسائل تعتبر في عصرنا حساسة، مثل صفات الله وخلق القرآن.

ومعلوم أن علم الكلام شكل الجذر المعرفي للنهضة الحضارية التي شهدتها الدولة الإسلامية، خصوصاً في عهد المأمون الذي قرب إليه علماء المعتزلة، لكن ما يؤخذ على المأمون، كما على ابن سلمان، هو أنهما استخدما قوة السلطة لقمع المعارضين لأفكارهما.

تحريم وسرقات

يعود اهتمام المستشرقين الألمان بالقرآن إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين. تعزى أولى طبعة للقرآن في ألمانيا إلى المستشرق جستاف ليبرشت فلوجل، سنة 1836م، وهي الطبعة التي اعتمد عليها مواطنه المستشرق “تيودور نولدكه” في دراسته “تاريخ القرآن”، الصادرة عام 1860 م.

وكانت طباعة المصحف بدأت أولاً في أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ثم في روسيا. وعلى الرغم من دخول المطبعة إلى تركيا العثمانية، عام 1551م، إلا أن طباعة المصحف ظلت محرمة بمزاعم أن الحبر نجس. وفي النصف الأول من القرن العشرين فقط أفتى الأزهر بإباحة طبع القرآن.

وباتت المصاحف المبكرة موضوعا للمتاجرة والجدل  والمزاودة . في منتصف عام 2015  عل سبيل المثال ،أعلنت جامعة برمنجهام البريطانية، عن نسخة من القرآن، قالت إنها الأقدم في العالم، وهو ما ينفيه متخصصون كثر، بينهم جرد بوين ومحمد السامرائي ومحمد المُسيح، الذين شككوا في أقدمية مخطوط برمنجهام، مؤكدين أن تحليل الكربون المشع وحده لا يعتد به.

وبحسب هؤلاء، فإن أقدمية مصحف صنعاء تكمن أساساً في النص السفلي الممحو، وليس فقط في تاريخ جلد الحيوان الذي كتب عليه النص. وكان طرس صنعاء خضع للفحص والتدقيق في معامل عدة دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وسويسرا.

كما يستند القائلون بأقدمية مصحف صنعاء، على احتواء مصحف برمنجهام على أشكال وزخارف لم تعرفها المصاحف سوى في زمن الحجاج بن يوسف. وفي حلقة تلفزيونية تحدث المُسيح عن شُبهة “تسول أكاديمي” تمارسه جامعات بريطانية وأمريكية، بهدف الحصول على دعم مالي خليجي. موضحاً أن مصحف برمنجهام عبارة عن رقعتين فقط من مصحف توجد بقية رقعه في المكتبة الوطنية الفرنسية، ومع ذلك لم تزعم المكتبة الفرنسية أن لديها النسخة الأقدم.

وتضمنت المخطوطات التي عثر عليها في الجامع الكبير، مصحفاً يقال إنه كُتب بخط الخليفة الإسلامي الرابع علي بن أبي طالب. إلا أن البعض يشكك بنسبه إلى علي، مستدلاً برسم المصحف الذي كتب بالخط الكوفي، وهو خط لم يظهر سوى بعد تأسيس مدينة الكوفة على يد سعد بن أبي وقاص، عام 638م، لتكون معسكراً لجيشه بعد معركة القادسية.

ومصحف الإمام علي غير “مصحف فاطمة” ابنة النبي محمد، التي تقول العتبة الحسينية المقدسة إن الملاك جبريل أنزله عليها، ليخفف عنها حزنها بوفاة أبيها.

يحوي مصحف فاطمة “أخباراً بالمغيّبات والحوادث الكائنة في المستقبل، لكنه لا يشبه القرآن الحالي بشيء”، وفق ما روى الشيخ الكليني في كتابه “الكافي”.

ولئن اتسم التعاطي مع مصحف صنعاء بالتعتيم من قبل السلطات اليمنية والألمانية، يبقى الأسوأ تعرض أجزاء منه لسرقات في بلد لا تبالي سلطاته بمخطوطاته وآثاره التاريخية حتى قبل اندلاع الحرب.

وعلاوة على ورقة من مصحف صنعاء بيعت عام 2008 في مزاد كريستيس لندن، بمبلغ مليونين و484 ألف جنيه إسترليني، وهو أعلى سعر سجل في مزاد ذلك العام، رصد شاكر ورقة من المصحف معروضة في متحف اللوفر أبوظبي، وأخرى في متحف طارق رجب في الكويت.

ويتوقع القائمون على رقمنة ونشر مخطوطات صنعاء، الانتهاء من المشروع بحلول نهاية العام الجاري.

#الوفاق_نيوز 


*مصدر المادة موقع yemensite