مستقبل العلاقات السرية بين إيران وطالبان.. (تقرير)

مستقبل العلاقات السرية بين إيران وطالبان.. (تقرير) 

مقدمة

رائد الحامد-(الوفاق نيوز): يسود اعتقاد لدى تيار واسع بين العرب والمسلمين بوجود عداء بين إيران وحركة طالبان بسبب ندرة أو محدودية تداول المعلومات “الموثقة” من مصادر باللغة العربية عن الدعم الإيراني لحركة طالبان، سواء باستضافة قادتها أو الدعم المالي والتسليحي المقدم لها.

وقد نجحت طهران في بناء علاقات متوازنة مع كل من الحكومات الأفغانية التي تشكلت بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2001، وحركة طالبان خلال عشرين عاماً الفائتة، في مسعى منها إلى تحقيق مصالحها مع جميع الأطراف.

وتسعى هذه الورقة إلى تسليط الضوء على طبيعة العلاقات بين إيران وحركة طالبان مع محاولة استشراف مستقبل هذه العلاقات بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة مرة أخرى في أفغانستان.

أولاً: خلفية العلاقات بين إيران وأفغانستان:

اتسمت علاقات إيران بأفغانستان بالتعقيد فقد تزامن ولادة إيران الثورية المضطربة مع غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان قبل نحو أربعة عقود. وكدولة يهيمن عليها الشيعة، كان لإيران تاريخ طويل من الخلافات الأيديولوجية والتنافس السياسي مع حركة طالبان الأفغانية.

وترتبط أفغانستان مع إيران بحدود برية مشتركة تصل إلى نحو ألف كيلومتر في سياق تداخل قبلي وطائفي مشترك أحياناً، ومتباين أحياناً أخرى، ومشتركات ثقافية ولغوية ودينية وقومية.  ولأن إيران لا تهتم كثيراً بمن هو في السلطة في أفغانستان بالقدر الذي تهتم بمصالحها الاستراتيجية؛ لذلك واصلت بناء علاقات مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة بعد سقوط طالبان عام 2001، وحققت المزيد من الإنجازات مثل “حصول نواب شيعة على ربع أعضاء البرلمان الأفغاني عام 2010، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد”[1].

وتستضيف إيران حوالي 1.5 إلى 2 مليون أفغاني نزحوا إليها على شكل موجات في الأعوام 1998 و2000 و2001، نصفهم من الشيعة “الهزارة”[2]، ونحو مليوني مهاجر غير شرعي، وقد بدأ الحرس الثوري الإيراني بتجنيد أعداد منهم منذ عام 2013 للقتال تحت مسمى “لواء فاطميون” إلى جانب قوات النظام في سوريا، ويرتبط هذا اللواء تنظيمياً بـ “معسكر الأنصار” التابع لفيلق القدس، المعروف باسم “الفيلق الرابع” الذي يسمى أيضاً “فيلق الأنصار” أو الوحدة 4000، ومقره مدينة مشهد الإيرانية مسقط رأس قائد فيلق القدس “إسماعيل قاآني” الذي عُين قائداً لمعسكر “الأنصار” بداية تأسيسه. ويعرف “لواء فاطميون” أيضاً باسم “حزب الله الأفغاني”، وهو أحد أهم أذرع “فيلق الأنصار” المعني بالساحتين الباكستانية والأفغانية.

وقد سعت إيران دوماً إلى تعزيز نفوذها في أفغانستان، إذ اتجهت إلى توظيف أمرين رئيسيين لتحقيق هذا الهدف: أولهما، المشترك الطائفي مع الشيعة، وثانيهما هو المشترك العرقي مع الناطقين باللغة الفارسية، وهم من الأفغان السُنّة، وبعض قيادات حركة طالبان التي تدين بالمذهب السني الحنفي.

كما اتجهت إيران لتعزيز هذا النفوذ بعد سقوط حركة طالبان في عام 2001، من خلال أقلية “الهزارة” الشيعية، وذلك بـ “تمويل الأنشطة الدينية، والتعليمية، والثقافية، والإعلامية”. وترجع أقلية “الهزارة” الشيعية بأصولها العرقية إلى المغول، وتمثل ثالث أكبر أقلية بنسبة تتراوح بين 10 – 20% من مجموع السكان –  وفق تقارير غير رسمية – ويتركز وجودهم وسط البلاد قرب العاصمة، وفي مقاطعات هرات، وباميان، وهلمند، وغزني، ومزار الشريف، ولهم حضور بشكل أقل في الشمال والغرب، وفي الجنوب الغربي[3]. 

وقد استفادت إيران منذ وقت مبكر من سيطرتها على ما يقرب من “ثلث وسائل الإعلام في أفغانستان”[4] حيث ظلت توجه سياسات هذه المنابر الإعلامية الممولة منها، أو التابعة لها، بما يخدم مصالحها ويعزز نفوذها في البلاد.

وسعت إيران كذلك إلى الاستفادة من علاقاتها مع أفغانستان للتخفيف من تداعيات العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عليها في مايو 2018، حيث مالت كفة التبادل التجاري بين البلدين لصالح طهران التي صدرت إلى أفغانستان، على سبيل المثال، “ما يصل قيمته إلى 1.24 مليار دولار عام 2019” من إمدادات الكهرباء، والنفط، والإسمنت، والآلات، والأدوية، والقمح، والأقمشة، وزيوت الطعام وغيرها في مقابل واردات من أفغانستان لم تتعدَ 15 مليون دولار [5].

ورغم تعقد العلاقات بين البلدين لعوامل عديدة سبق الإشارة إليها، فإن أفغانستان تحظى بأهمية كبيرة لدى إيران؛ ومن مظاهر هذه الأهمية، امتلاك طهران 5 مرافق دبلوماسية على الأراضي الأفغانية – فإلى جانب السفارة في كابل، هناك أربع بعثات دبلوماسية في مزار شريف، وجلال آباد، وهرات، وقندهار.

 ويقف وراء التعاطي مع الملف الأفغاني أولوية إيرانية تتعلق بوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وطالبي اللجوء، وتهريب المخدرات، وضمان انسيابية التجارة البينية عبر الحدود بين البلدين، وما يتعلق بالسدود، والموارد المائية المشتركة، والأهم من كل ذلك ضمان سلامة أقلية “الهزارة” الشيعية ومشاركتهم السياسية، بالإضافة إلى تهديدات “تنظيم الدولة”، أو ولاية خراسان.

 ثانياً: مسار العلاقات بين إيران وحركة طالبان:

وستهدف السياسات الإيرانية في أفغانستان على المدى البعيد منع إقامة قواعد عسكرية أمريكية هناك بالنظر إلى أن هذه القواعد ستكون على مقربة من حدودها مما يجعلها تشكل تهديداً للأمن القومي الإيراني، بالإضافة إلى وقف مرور المخدرات من أفغانستان عبر أراضيها إلى العراق أو دول الخليج العربية ودول المنطقة الأخرى، ووقف الهجمات المحتملة من “متشددي” حركة طالبان على أقلية “الهزارة” الشيعية، إلى جانب الهدف الاستراتيجي الإيراني المتمثل في إخراج جميع القوات الأمريكية من دول الجوار أو غيرها من دول المنطقة العربية وأفغانستان.

ولتحقيق تلك الأهداف، وجدت إيران ضرورة بناء علاقات وفتح قنوات اتصالات مع حركة طالبان، وتقديم الدعم اللازم لها لتحقيق المزيد من أهدافها في أفغانستان. وفي هذا الإطار، قدمت إيران دعماً مالياً وتسليحياً للحركة، وسمحت لقياداتها بالإقامة “الآمنة” على أراضيها وإقامة معسكرات تدريب تحت إشراف الأكاديميات العسكرية الإيرانية والحرس الثوري.  وقد اتخذ الدعم الإيراني لحركة طالبان عدة مسارات وذلك على النحو التالي:

1-المسار السياسي والدبلوماسي

حتى سنوات قليلة، ظلت إيران ترى في حركة طالبان، حركة إسلامية “سُنيّة” تمارس الاضطهاد ضد الأقلية الشيعية؛ الأمر الذي حملها، في تسعينيات القرن الماضي خلال فترة حكم حركة طالبان الأولى بين عامي 1996 و2001، على تمويل القوى المناهضة للحركة ودعمها أو التي تقاتلها مثل “تحالف الشمال” بقيادة أحمد شاه مسعود.

وبلغت التوترات بين حركة طالبان وإيران ذروتها عام 1998 عندما قتلت الحركة تسعة إيرانيين في مدينة “مزار شريف” عاصمة ولاية بلخ شمال البلاد؛ هم صحفي وثمانية دبلوماسيين من العاملين في قنصلية طهران بالمدينة التي تُعد رابع أكبر المدن الأفغانية من حيث عدد السكان.

وفي مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 حتى بدء العملية العسكرية الأمريكية في 7 أكتوبر، كانت هناك ثمّة حاجة للولايات المتحدة لجهود قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني الذي شارك الأمريكيين معلومات “تفصيلية عن حركة طالبان وأعضاء في تنظيم القاعدة” [6].

وقد شهدت العلاقات بين الجانبين تطوراً نوعياً عام 2013؛ فبعد افتتاح حركة طالبان مكتباً لها في الدوحة هذا العام، وبدء المفاوضات بين الولايات المتحدة والحركة من جهة، وبين الحركة والحكومة الأفغانية من جهة أخرى[7]، أرسلت طالبان من الدوحة رسائل عدة لطمأنة إيران والشيعة في أفغانستان.

وقد أسهمت عوامل عدة في لقاء “الضرورة” بين إيران وحركة طالبان بعد خلافات داخل الحركة على قيادتها مع وفاة أميرها الأسبق “الملا محمد عمر” عام 2013 في باكستان، وتأخير الإعلان عمن سيخلفه إلى يوليو 2015، ليأتي بعد ذلك اختيار “محمد أختر محمد منصور شاه” خلفاً للملا عمر الذي أعلنت عائلته رفضها مبايعة “منصور”[8].

ولهذا، تردد محمد أختر محمد منصور شاه على إيران بزيارات عدة خلال فبراير ومارس وأبريل ومايو من عام 2016 من مقره في مدينة “كويتا” عاصمة إقليم بلوشستان الباكستاني قرب الحدود مع أفغانستان غرب البلاد. ويُعتقد أن زيارات “منصور” كانت بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، وأنها كانت بداية انطلاقة حقيقية لعلاقات الحركة مع الحرس الثوري والحكومة الإيرانية.

وقد اختارت حركة طالبان “الملا هيبة الله أخوند زادة” لقيادتها في مايو 2016 خلفاً لأميرها “محمد اختر محمد منصور” الذي قُتل قرب الحدود الباكستانية بعد عودته من زيارة لطهران في 21 مايو 2016. وتولى “نعيم باريش”، وزير خارجية “حكومة الظل” للحركة منذ عام 2017، والنائب السابق لـ “محمد اختر محمد منصور شاه” مسؤولية تنسيق العلاقات بين حركة طالبان وإيران.

ومن الجانب الإيراني تولى “محمد إبراهيم طاهريان” المبعوث الخاص لأفغانستان تنسيق علاقات بلاده مع الحكومة الأفغانية السابقة، وكذلك مع حركة طالبان عبر مكتبها السياسي في الدوحة التي زارها لأكثر من مرة خلال عام 2020.

وفي 26 ديسمبر 2018، زار رئيس المجلس القومي الأعلى الإيراني “علي شمخاني” العاصمة الأفغانية لإجراء مباحثات مع المسؤولين الأفغان، وأعلن من هناك “إن بلاده عقدت محادثات مع حركة طالبان بعلم الحكومة الأفغانية”[9]  للمساعدة في إحلال الاستقرار.

وبعد أربعة أيام فقط، زار وفد من حركة طالبان العاصمة الإيرانية وأجرى مفاوضات مكثفة مع وفد إيراني يرأسه نائب وزير الخارجية عباس عراقجي “لدفع عملية السلام قدماً”[10]. كما استضافت طهران المزيد من وفود الحركة في يناير وسبتمبر ونوفمبر 2019، ويناير، ويوليو 2021.

ومع بدء الولايات المتحدة التفاوض مطلع العام 2021 بشأن خروج قواتها من أفغانستان، حاولت إيران لعب “دور الوسيط بين حركة طالبان وحكومة كابل”[11] عبر لقاءات في طهران مع ممثلين عن الحركة لدعم التوجهات الإيرانية في تشكيل حكومة أفغانية شاملة تضم كل الطوائف والجماعات العرقية، في حال توصلت حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني إلى اتفاق مع حركة طالبان على تسوية سياسية للحرب بينهما.

ولهذا، دعت وزارة الخارجية الإيرانية وفوداً من حركة طالبان لزيارة طهران في أكثر من مرة كان آخرها في يوليو 2021 وقبلها في يناير من العام نفسه حيث التقى “الملا عبد الغني برادر” رئيس المكتب السياسي للحركة مع وزير الخارجية الإيراني السابق “محمد جواد ظريف” ومسؤولين آخرين “قد” يكون من بينهم قادة في الحرس الثوري الإيراني.

2- المسار المالي والتسليحي

لعل انفتاح حركة طالبان على إيران دفع الأخيرة إلى مقاربة تفضل بمقتضاها دعم الحركة والدفع في اتجاه انسحاب الأمريكيين بعد تصاعد حدة التوترات مع الولايات المتحدة في اعقاب قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من صفقة الملف النووي وفرض عقوبات على إيران في مايو 2018.

ويندرج الدعم الإيراني لحركة طالبان في سياق استراتيجية إيرانية أوسع لإخراج القوات الأمريكية من أفغانستان ومن العراق والمنطقة بالكامل، بما فيها الدول الخليجية، حيث تنطلق إيران من رؤيتها بأن القواعد الأمريكية في المنطقة “ستواجه مصير قواعدها نفسه في أفغانستان”[12].

ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، فإن الحرس الثوري الإيراني مول حركة طالبان دربها “سراً” وزودها بالأسلحة الخفيفة والمتفجرات وقذائف الهاون والمدافع الرشاشة الثقيلة وصواريخ كاتيوشا 107 ملم؛ ولهذا أدرجت الولايات المتحدة كلاً من الجنرال “حسين موسوي” قائد “فيلق الأنصار”، والعقيد “حسن مرتضوي” في أغسطس 2010 في لائحة الإرهاب “لدورهما في دعم الحرس الثوري الإيراني للمنظمات الإرهابية، وتوفيرهما الدعم المالي والمادي لحركة طالبان”[13]. وكانت حركة طالبان قد تسلمت من الحرس الثوري الإيراني “صواريخ كاتيوشا 122 ملم” قبل عام 2011[14].

واتسع نطاق الدعم الإيراني للقوى الفاعلة في أفغانستان ليشمل “شبكة حقاني”[15]التابعة لحركة طالبان في مقابل المزيد من عمليات استهداف القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان.

 واتهم مسؤولون حكوميون وأمنيون أفغان، إيران بتقديم “مساعداتٍ مالية وأسلحة واستشارات لحركة طالبان”[16] كجزءٍ من معارضة طهران للوجود الأمريكي في أفغانستان. كما توفرت لدى أجهزة الأمن الأفغانية أدلة تؤكد تزويد إيران مقاتلي حركة طالبان بأنظمة “دفاع صاروخية مضادة للطائرات” من طراز “MANPADS” المحمولة على الكتف، والموجّهة بصرياً لإسقاط الطائرات على ارتفاعاتٍ منخفضة[17].

وتأكيداً على ما تقدم، أعلنت حركة طالبان في 27 يناير 2020 مسؤوليتها عن إسقاط طائرة تابعة للقوات الأمريكية تُقل على متنها عشرة أشخاص كانت في مهمة استخباراتية شرق أفغانستان في منطقة خاضعة بالكامل لسيطرة الحركة[18].

كما توصلت الدوائر الاستخباراتية في حكومة الرئيس الأفغاني السابق “أشرف غني” في فبراير 2020 إلى معلومات تفيد بأن “الحرس الثوري الإيراني سلَّم حركة طالبان صواريخ مضادة للطائرات ومساعدات مالية”[19].  كما تقدّم إيران، من خلال “فيلق الأنصار”، رواتب شهرية لعدد من قياداتها تصل إلى 580 دولار شهرياً”[20].

ومنذ عام 2018 تلقى المئات من مقاتلي حركة طالبان “تدريبات متقدمة على يد مدربين في الأكاديميات العسكرية الإيرانية في مقابل تنفيذ المزيد من الهجمات على مصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وقتال تنظيم داعش في أفغانستان”[21] .

ورغم مخالفتها للقوانين الدبلوماسية المُتفق عليها في علاقات الدول مع بعضها، تستغل طهران في بلدان عدة التسهيلات الخاصة والحصانة لطواقمها الدبلوماسية أو الموظفين العاملين في بعثاتها الدبلوماسية لتنفيذ الكثير من سياساتها الأمنية أو العسكرية أو الأيديولوجية عبر تعيين أعضاء أو كوادر من الحرس الثوري الإيراني في تلك البعثات.

ولهذا، اتهمت حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني عام 2020 طهران بممارسة دبلوماسيين اثنين من العاملين في سفارتها لدى كابل “أنشطة أمنية واستخباراتية داخل الأراضي الأفغانية”[22] وهما عضوين في فيلق القدس قامت بطردهما.

بالإضافة إلى ذلك، لعب “الملا عبد القيوم ذاكر” المعتقل السابق في معسكر غوانتانامو، عندما كان يشغل منصب رئيس المجلس العسكري في حركة طالبان، أي وزير دفاع “حكومة الظل” في الحركة، في تعزيز هذا المسار العسكري في علاقات طهران والحركة، حيث كان من بين أكثر الشخصيات التي نالت ثقة فيلق القدس، وحصل منه على الأسلحة الأكثر تقدماً، بما في ذلك قاذفة الصواريخ المضادة للطائرات AGTN، وهو صديق شخصي مقرب من قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني[23].

وللحد من تنامي علاقات حركة طالبان بالحرس الثوري الإيراني أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بالتنسيق مع “مركز استهداف تمويل الإرهاب” الذي مقره في الرياض عقوبات على تسعة أشخاص من الأفغان والإيرانيين، بينهم مسؤولان اثنان من الحرس الثوري هما؛ “إسماعيل رضائي” و”محمد إبراهيم أوحدي”، متورطان في توفير الدعم المالي واللوجستي وتدريب مقاتلي الحركة [24].

ثالثاً: آفاق علاقات إيران مع أفغانستان بعد سيطرة طالبان

تعود مخاوف إيران من وصول حركة طالبان إلى السلطة مرة أخرى إلى احتمالات تكرار الحركة عمليات الاستهداف على أساسٍ طائفي للشيعة “الهزارة”، لكنها مخاوف تبدد بعضها بعد فتح قنوات اتصال بين قيادات الحركة والحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني.

فبرغم التفاوت الطائفي بين قادة حركة طالبان الذين يدينون بالمذهب الحنفي السُنّي وقادة أقلية الهزارة الشيعية، وموقف الحركة السابق في مرحلة حكمها الأولى من هذه الأقلية، إلاّ أن الحركة بدت أكثر انفتاحاً عليها بعد أن أقامت علاقاتٍ على مستوياتٍ عدة، سياسية وعسكرية، مع الحكومة الإيرانية والحرس الثوري.

وبحسب ما تقدم، جاء تعيين الحركة نائب رئيس حزب الوحدة الإسلامي (حزب شيعي) “المولوي مهدي مجاهد”، وهو شيعي شارك في قتال القوات الأمريكية، وأمضى سنوات في سجون الحكومة الأفغانية، حاكماً لمديرية “بلخاب” في ولاية سربل شمال البلاد في أبريل 2020، وقائداً لقوات الحركة في الولاية[25].

ومنذ الأيام الأولى لسيطرة حركة طالبان على كابل في 15 أغسطس 2021، أرسلت الحركة رسائل عدة منها، السماح بإقامة مراسم ذكرى عاشوراء وزيارة المساجد الشيعية من كبار قادة الحركة وغيرها من الخطوات والتصريحات الهادفة لإزالة بواعث القلق الإيراني على الأقلية الشيعية في أفغانستان.

وأخيراً، فإن لإيران جملة من الأهداف الاستراتيجية التي ستسعى إلى تحقيقها في أفغانستان عبر علاقاتها مع حركة طالبان، والتي ستنعكس على مجمل سياسات الحكومات الأفغانية الجديدة، أي حكومة حركة طالبان الثانية، ومن بينها الآتي:

ضمان تحقيق الاستقرار في أفغانستان حيث يعد استقرار أفغانستان أولوية من أولويات السياسات الإيرانية بعد “هزيمة الولايات المتحدة هناك وسيطرة حركة طالبان على السلطة، واعتبار أن أفغانستان دولة “جارة وصديقة”[26]. ومن ثم تسعى إيران إلى أن تكون لها علاقاتٍ طبيعية مع الحكومة الأفغانية الجديدة بعد إشارات من الحركة بالتعامل مع الأقلية الشيعية دون اضطهاد أو تمييز، وضمان مشاركة أوسع لهم في إدارة البلاد.
الإسهام في إعادة إعمار أفغانستان حيث أنه من المهم لإيران استثمار الجوار الأفغاني والعلاقات التي يُعتقد أنها ستكون “متينة” مع حركة طالبان، في دعم رغبتها في إعادة إعمار البلاد من خلال المشاركة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، وما يتعلق بربط إيران عبر الأراضي الأفغانية بدول آسيا الوسطى والصين عبر طرق برية أو سكك حديدية.
التصدي لأي تهديدات من قبل الجماعات الإرهابية حيث سيكون من أولويات السياسات الإيرانية التنسيق المشترك مع حركة طالبان لتحجيم، أو القضاء على أي تهديد يمكن أن تشكله الجماعات “الجهادية” سواء للأمن القومي الإيراني أو للأقلية الشيعية في أفغانستان، مثل “تنظيم القاعدة” و”تنظيم داعش” وغيرهما.
خاتمة:

رغم أن الهدف الاستراتيجي الأول للسياسات الإيرانية في أفغانستان يتمثل في إبعاد القوات الأمريكية عن حدوها، وهو ما تحقّق بمفاوضات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، والتي أسفرت عن خروج القوات الأمريكية نهاية أغسطس الماضي، تبقى حماية أقلية الشيعة الهزارة وضمان مشاركتهم في إدارة البلاد إحدى القضايا التي تهتم بها طهران إلى جانب تعزيز العلاقات بين البلدين في مجالات اقتصادية وأمنية تتعلق بمواجهة عدوهما المشترك، أي تنظيم داعش فرع ولاية خراسان.

وقد طفت على السطح بعض المؤشرات التي توحي بعودة طالبان إلى سابق عهدها في تعاملها مع أقلية الهزارة الشيعية، سواء من خلال شن حملات الاعتقال أو القتل والتهجير القسري، أو ما يتعلق بحرمانهم من ممارسة طقوسهم التعبدية أو الاعتداء على رموزهم الدينية مثل هدم رأس تمثال زعيم للهزارة في باميان بعد أيام من استيلاء الحركة على كابل.

وبناء على ذلك، من المتوقع أن تواجه إيران التي انتدبت نفسها حامية للشيعة ووصية عليهم وداعمة لهم حول العالم، في علاقاتها مع حركة طالبان الكثير من التحديات في التوفيق بين مصالحها الحيوية في أفغانستان، والانتهاكات التي تتعرض لها أقلية الهزارة في ظل حكومة حركة طالبان الحالية التي طَردت خلال سبتمبر الماضي 1200 أسرة من أقلية الهزارة من منازلهم في قرى تابعة لمقاطعة دايكوندي وسط البلاد[27]، في سياق عمل ممنهج يشمل مقاطعات وولايات أخرى، مثل ولاية أروزكان التي أمهلت الحركة سكان قريتين عدة أيام لمغادرة منازلهم، امتثلت منهما 700 عائلة غادرت منازلها بالفعل”[28].

وسيثير فشل حكومة طالبان في حماية المساجد الشيعية قلق السلطات الإيرانية بعد تعرض أحدها في ولاية “قندوز” شمال شرق أفغانستان في 9 أكتوبر 2021 لهجوم انتحاري تبناه تنظيم داعش أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من مئة من المصلين الشيعة.

لكنّ الملاحظ أن طهران اكتفت بإدانة التفجير ودعت إلى معاقبة مرتكبي الجريمة دون لوم حكومة طالبان على فشلها في حمايتهم، وهذا يقود إلى ترجيح أن تفضل إيران العمل مع حركة طالبان- على الأقل في هذه المرحلة- لتعزيز مصالحها على حساب التزامها بحماية الشيعة الهزارة.

لكن من غير المستبعد في مرحلة ما، أن تلجأ إيران لتغيير سياساتها في أفغانستان إذا تخطت حركة طالبان الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ وعودها وتعهداتها للمجتمع الدولي بعد الانتهاء من إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة جديدة لا تستجيب لرغبات إيران التي تطالب بتمثيل أوسع للمكونات العرقية والطائفية الأفغانية، الهزارة تحديداً، واستمرار الانتهاكات التي يتعرضون لها.

ومن بين أهم الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها إيران من أجل الضغط على حركة طالبان، سحب مقاتلي لواء “فاطميون” من سوريا إلى أفغانستان وإطلاق يدهم في مواجهة حكومة الحركة دفاعا عن الشيعة الهزارة، ودعم قوى معارضة أخرى من مختلف القوميات الأفغانية.

المصادر:

[1] . أمين خراساني، “النفوذ الشيعي المتنامي في أفغانستان.. إلى أين؟”، موقع الراصد، 5 يناير 2010، https://bre.is/png9m2jR

[2] . جيزيلا لوماكس،” إيران تحتاج للمزيد من المساعدة لدعم اللاجئين الأفغان”، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 4 سبتمبر 2018، https://bre.is/vCvuqngH

[3] . Misha Ketchell, “Who are the Hazara of Afghanistan? An expert on Islam explains”, the conversation, September 13, 2021, https://bit.ly/3EL5ffM

[4] . Amie Ferris-Rotman, Insight: Iran’s “Great Game” in Afghanistan, Reuters, 24.05.2021, https://reut.rs/2WX0pu4

[5]. “Trade between Iran and Afghanistan Remains Steady, Despite US Sanctions”, Rasanah, 12.03.2020, https://bit.ly/3kVlIoq

[6] .Aaron Blake, “When the United States and Qasem Soleimani worked, together”, Washington post, January 3, 2020, https://wapo.st/3zQ1Fhj

[7]  . “حركة طالبان.. محطات مهمة طيلة 27 عاما”، الجزيرة نت، 15 أغسطس 2021،  https://bre.is/VJ7fpydf

[8] . “عائلة الملا عمر ترفض مبايعة خلفه الملا أختر منصور”، فرانس 24، 3 أغسطس 2015، https://bre.is/VXzEBVYV

[9]. “Iran talking to Taliban to aid Afghan security”, PRESSTV, 26 December 2018, https://bit.ly/3n61kni

[10].  “حركة طالبان أجرت محادثات جديدة مع مسؤولين في إيران”، فرانس 24، 31/12/2018، https://bit.ly/3kW6X4F

[11]. “إيران تستضيف زعيما من طالبان مع تعثر محادثات السلام الأفغانية”، رويترز، 31/1/2021،https://reut.rs/3kVOOnJ

[12] .”الحرس الثوري الإيراني: انتصار طالبان “درس كبير”. والقواعد الأميركية بالمنطقة ستواجه نفس المصير”، إيران إنترناشيونال، 18 أغسطس 2021، https://bit.ly/38Xj3VP

[13].  BILL ROGGIO, “Iranian Qods Force commanders linked to Taliban: US Treasury”, Long War Journal, 6 Aug 2010, https://bit.ly/3BHVc8K

[14]. “British Special Forces seize Iranian rockets in Afghanistan”, the Guardian, 09 Mar 2011, https://bit.ly/3DPHpil

[15]. Zachary Cohen ,”US intelligence indicates Iran paid bounties to Taliban for targeting American troops in Afghanistan”, CNN, 17 Aug 2020, https://cnn.it/3ifS5Of

[16]. SYED SALAHUDDIN, “Iran funding Taliban to affect US military presence in Afghanistan, say police and lawmakers”, Arab news, 27 May 2018, https://bit.ly/39t3LIw

[17] . “Afghan Police Official Says Iran Supplying Taliban with MANPADS”, Radio Farda, 18 Feb 2020, https://bit.ly/3lGZ4QQ

[18]. “طالبان تسقط طائرة أميركية”، المدينة اونلاين، 27 يناير 2020،https://bre.is/WPaT9Czf

[19] . “إيران وطالبان. مكتب اتصال واتهامات بزعزعة استقرار أفغانستان”، العين الإخبارية، 20 يوليو 2020، https://bit.ly/3kV1GdM

[20] . Margherita Stancati, “Iran Backs Taliban with Cash and Arms”, WSJ, 11 Jun 2015, https://on.wsj.com/2WOXJ2h

[21]. Anthony Loyd, “Taliban’s best fighters being trained by Iran”, The Times, 2 Jul 2018, https://bit.ly/3n6pcXG

[22]. هشام رشاد، “أفغانستان تطرد دبلوماسيين إيرانيين بسبب التجسس”، العين الإخبارية، 22.03.2020،https://bit.ly/3BGwc1C  

[23] . تغريدة على تويتر، بلال سرواري، صحفي أفغاني غطى الصراع في أفغانستان منذ التدخل الأمريكي عام 2001، 24 أغسطس 2021، https://bit.ly/3h3DLHM

[24] . “Treasury and the Terrorist Financing Targeting Center Partners Sanction Taliban Facilitators and their Iranian Supporters”, U.S. DEPARTMENT OF THE TREASURY, 23 oct 2018, https://bit.ly/3tj2Gw7

[25] . Ruchi Kumar, “Taliban reaches out to Shias“, The Hindu, MAY 09, 2020, https://bit.ly/3AtgRBk

[26] . “الرئيس الإيراني: هزيمة أميركا في أفغانستان فرصة لسلام دائم”، الجزيرة نت، 16 أغسطس 2021، https://bit.ly/3ySG6eY

[27] “تحقيق لبي بي سي يكشف تهجير طالبان مئات الأشخاص من أقلية الهزارة الشيعية من منازلهم”، بي بي سي العربية، 6 أكتوبر 2021، https://cutt.us/e8rKa

[28] ” طالبان تشرد مئات العائلات من أقلية الهزارة”، عربي 21، 01 أكتوبر 2021، https://cutt.us/5WRe0

    

* نقلا عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات