حصري.. مستقبل المنطقة في ظل عودة حركة طالبان (تحليل)

 حصري.. مستقبل المنطقة في ظل عودة حركة طالبان (تحليل) 

المقدمة

إعداد الباحث علاء ابوبكر عفارة (الوفاق نيوز): شهدت أفغانستان في هذا الاسبوع احداث دراماتيكية جعلتها تتصدر عناوين الاخبار العالمية واهتمام دولي بالغ حول مآلات مستقبل أفغانستان وتأثيرها على العالم بعد سيطرة حركة طالبان الغير متوقعة والسريعة على البلاد وعاصمتها كابل في 15 أغسطس 2021م وقبل الولوج الى تحليل خطاب بايدن الأخير ودور حركة طالبان المستقبلية، نتأمل قليلا من احداث الماضي نلاحظ أن كل عقد من الزمن تتغير الاستراتيجية الامريكية  المتبعة في منطقة ما من مناطق العالم وفق مصالحها وهنا نخص منطقة اسيا الوسطى او ما يطلق عليها في القاموس السياسي (أوراسيا) المنطقة الجيوستراتيجية الهامة من العالم فمن يتحكم بها فقد استطاع حكم جزيرة العالم، فقد بدأت الولايات المتحدة عقد الالفية الثانية 2001 من احتلال أفغانستان وإنهاء حركة طالبان وبعد عشر سنوات في 2011م أعلنت مقتل اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وإنهاء التنظيم في هذا البلد وبعد عشر سنوات في 2021م اتفقت مع حركة طالبان في اتفاقية سلام الدوحة عام 2020م ومن خلالها سمحت للحركة من المشاركة في الحياة السياسية الافغانية مقابل انسحاب القوات الامريكية بشرط اعتدال الحركة في توجهاتها وعدم السماح للتنظيمات المتطرفة استخدام أفغانستان منطلقا لتهديد أمريكا ومصالحها في العالم، وهذا ما تم لكن ليست بالسرعة التي توقعها الخبراء الأمريكيين والرئيس جو بايدن نفسه في خطابة الاخير.

ما وراء خطاب جو بايدن

لتحليل المشهد السياسي الأفغاني نعود إلى تحليل مضمون خطاب الرئيس الامريكي جو بايدن حول حديثه لسيطرة طالبان على كابول وانسحاب قواته منها لنستشف منها أبرز الملامح التالية:

الدور الوظيفي لطالبان ليست مهمة أمريكا بناء الدولة وإنما خدمة مصالحها هكذا قال بايدن في خطابه، وقد أنهت مصالحها بعد الانتهاء من تنظيم القاعدة وقتل أبرز زعمائها، وليست طالبان 96 بطالبان 2021 فقد تم الاتفاق مع الحركة بتسليمها السلطة مقابل الخروج الأمريكي، وذلك بعد ما رأت امريكا عدم تجاوب الحكومة الافغانية المتحالفة معها لعقد صلح مع طالبان والمشاركة بالسلطة علاوة على الفساد المستشري واللامبالاة من عدم السماع لنصائح الأمريكية وقد أشار بايدن بكل وضوح من أهم أسباب انسحاب أمريكا من كابل هو التكلفة المالية الباهظة التي تدفعها امريكا للحكومة الافغانية وعدم قدرة الجيش الأفغاني من مواجهة طالبان، يدرك الامريكان جيدا عدم انسجام طالبان مع الكيانات السياسية الافغانية والتي جاءت للسلطة مع أعقاب الاحتلال الأمريكي لاختلاف توجهاتهم السياسية والاجتماعية علاوة على ذلك أن لكل قومية افغانية(باشتون- اوزبك- طاجيك- تركمان- هازار "شيعة") كيان سياسي وعسكري يمثله، وهذا ما سيسهل من عملية الفوضى و الانزلاق الى حرب أهليه وهذا ليس بغريب لافغانستان بحكم الخلفية التاريخية ولكن الجديد في الأمر انتشار الفوضى الى الدول المجاورة ودخول البلاد في اتون فوضى خلاقة كما هو الحال في الفوضى بالشرق الاوسط.

اشغال الصين وروسيا وايران بتحمل أعباء افغانستان  ركز خطاب بايدن إلى الإشارة الصين وروسيا الدولتان المستفيدتان من التورط الامريكي في افغانستان وتحمله أعباء مالية كلفته ترليون دولار خلال العشرين السنة الماضية على حساب صعود الصين وروسيا في النظام العالمي، وبما أن استراتيجية الامن القومي الامريكية في عهد بادين تقوم بجعل الصين وروسيا الخطر والتهديد الأول لمصالح أمريكا في النظام العالمي، فسوف يشغل الصين وايران وروسيا بأفغانستان من خلال اتون الفوضى والحرب الاهلية وانتقالها الى بلدانهم كما حدث بعد انسحاب جزء من القوات الأمريكية من العراق ونشر تنظيم الدولة الاسلامية وتمدده إلى سوريا، فالصين توجد أقلية مسلمة مضطهدة الإيغور على حدود أفغانستان وسوف تلقى دعم بالمال والسلاح والرجال لكيانات صينية ايغورية مسلحة ضد الحكومة الصينية، بينما ايران سيتم دعم كيانات مسلحة ايرانية سنية من بلوشستان ضد الحكومة كما كان سابقا عند دعم القاعدة تنظيم جند الإسلام، بينما روسيا سيتم الاخلال الامني وزرع الفوضى في دول الحليفة معها وهي طاجيكستان وتركمنستان واوزباكستان وهي تحكمها حكومات علمانية موالية لموسكو بما سيساهم في زيادة عبء روسيا لتدخلها لمساعدة حلفائها ضد المتمردين الإسلاميين كما هو واقع في سوريا. 

وهذا ما يفسر سرعة الصين الى عدم ممانعة بالاعتراف بحكومة طالبان على أساس احترام الجوار وبالتالي فهمت اللعبة الامريكية حيث صرح مسئول صيني بأن خطوة الانسحاب الامريكي من افغانستان كانت غير مسؤولة، بينما روسيا أبقت سفارتها في كابل وبنفس الحال اعلنت نيتها إقامة علاقات تعاونية مع طالبان في ظل حكومة انتقالية تتشكل من جميع الأطياف السياسية، بينما ايران لم تبدي أي موقف الى اللحظة لأنها مصدومة من المشهد حيث أنها منشغلة في الملف النووي الإيراني وتوترات منطقة الشرق الاوسط وحرب السفن والناقلات مع اسرائيل فلا تريد أن تنشغل على البوابة الشرقية وهي تعلم علم اليقين عدم توافقها السياسي مع حركة طالبان السنية مما يخلق حدوث اختلالات امنية واسعة النطاق في حدودها الشرقية مع أفغانستان سواء تحمل أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين أو نشوء جماعات مسلحة سنية على أراضيها.

استراتيجية خلق الفوضى

اعتمدت أمريكا في زمن المحافظين الجدد على استراتيجية جديدة لاستمراريتها في الهيمنة على النظام العالمي الجديد، وهي استراتيجية الفوضى الخلاقة او بمصطلح اخر الهدم ومن ثم البناء وفق المبادئ والقيم الامريكية وان تكون تلك الدول المستهدفة تابعة للسياسات الامريكية أو أن تقوم أمريكا بالأشراف عليها والتحكم بها عن بًعد، فقد نجحت هذه الاستراتيجية في تطبيقها على منطقة الشرق الأوسط وها هو يتم تطبيقها في منطقة آسيا الوسطى، باعتبارها المنطقة التي تتنافس فيها الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة فقد تحولت إلى ساحة اللعب الجديدة بين هذه القوى.


إن تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة جاءت تلبية للحاجة الاستراتيجية في بيئة معقدة وسريعة التفاعل مع الأحداث وتضمن تحقيق السيطرة الامريكية وهيمنتها على منطقة آسيا الوسطى ذات الاهمية الاستراتيجية من العالم كونها تمثل قلب العالم في نظريات الجيوبولتيكية للصراع والذي تمتاز المنطقة بأنها عالم عقائدي و غني بالموارد الطبيعية الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة، علاوة على ذلك العجز العسكري الأمريكي للسيطرة والحفاظ عليها في ظل تزايد التكاليف الباهظة للتواجد العسكري الأمريكي وزيادة نفقاته على الحرب المفتوحة على الإرهاب، بمعنى أن تطبيق الفوضى الخلاقة كان دافعه الأساس محاولة تقليل العمليات العسكرية المباشرة التي أثقلت الميزانية الامريكية وتجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع المجتمع الافغاني، وإنما يتطلب الأمر تشجيع وتأجيج المشاعر المذهبية والعرقية في خلق الفوضى في منطقة آسيا الوسطى لتفضي إلى تفكيك الدول والمجتمعات والأنظمة الى مقاطعات ودويلات على اسس قومية ومذهبية، وهذا ما سيؤدي إلى بناء نظام جديد على أنقاض النظام القديم الذي سيتم تفكيكه، الأمر الذي يفضي إلى نزاعات وأزمات جديدة، لا يقوى النظام الجديد على مواجهتها أو حلها مما يتطلب الدعم الخارجي وهذا ما تبحث عنه الولايات المتحدة الامريكية لضمان استمرار هيمنتها أو على أقل تقدير قيادتها للتحالفات العالمية الجديدة.

موقف السياسية الخارجية للدول الكبرى والعربية من تطورات الأوضاع الافغانية

سيطرة حركة طالبان على كابول وتسلمها مقاليد الحكم فعلياً بعد هروب الرئيس الأفغاني أشرف غاني وقادته العسكريين أثار ردود فعل واسعة حول العالم انعكست على تحركات الدبلوماسيين في العاصمة وعملية إجلائهم والى هذه اللحظة لم يعترف إي دولة بحركة طالبان وامارتها الاسلامية ولكن اتفق معظم قادة الدول خاصة بريطانيا وكندا وفرنسا وتركيا وامريكا العمل مع باكستان والأمم المتحدة بشأن الوضع في أفغانستان وارتباط اعترافها بحركة طالبان رهن سلوكها وتعاملها مع المكونات السياسية الاخرى والمشاركة في الحكم، إلا أن هناك دولتان عبرتا صراحة في الاعتراف بطالبان هما روسيا والصين فقد أعلنت روسيا استعدادها للعمل مع الحكومة الانتقالية التي تتشكل في أفغانستان، بينما الصين أبدت استعدادها لإقامة علاقات ودية مع حركة طالبان حيث قالت إن متمردي الحركة عبروا عن أملهم في تطوير علاقات طيبة مع الصين.

بينما كانت ردود أفعال الدول العربية خاصة الدول الخليجية السعودية والكويت والإمارات أصدرت بيانات عامة تعبر عن قلقها إزاء الوضع في افغانستان وتدعو جميع الاطراف الافغانية بما فيهم طالبان لاستتباب الامن والاستقرار والوقوف الى جانب الشعب الافغاني وخياراته، بينما كان الموقف القطري حاضنة الاتفاق الامريكي الطالباني دعا الى انتقال سلمي وسلس للسلطة يمهد تسوية سياسية لجميع الاطراف الافغانية وتدعو لوقف شامل لإطلاق النار.

الخاتمة

أن الحروب الامريكية في الالفية الثانية أوضحت (أن نقطة الارتكاز المركزية للتنافس الدولي هي منطقة جنوب ووسط آسيا، إي من وأفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى حتى العراق) كما أوردها استاذ النزاعات الدولية الامريكي "مايكل كلير" في مقالة له بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. فأن حدوث فوضى في افغانستان سيشعل المنطقة بفوضى عارمة ستمنع صعود الصين وتفرمل طموح روسيا نحو قيادة النظام العالمي الجديد وينهك إيران وباكستان والهند بتحملها أعباء ذلك الصراع الأفغاني، وتبتعد أمريكا عن التورط في مخاطر الصراعات الدولية مباشرةً عبر تقليل تكلفة الالتزامات الامنية الموسعة في الخارج مقابل استمرارها في سياسات الإشراف الدولي على توازنات القوى الاقليمية والدولية والتركيز على الاحتواء والتأثير على نتائج الاضطرابات والصراعات عن بُعد مما سيساعدها على التفرغ لسد فجواتها الداخلية وتعظيم موارد قوتها الذاتية خاصة بعد ما شهدته من اختلال في دعائم اقتصادها بسبب تكلفة حروبها الخارجية و تداعيات فيروس كورونا الداخلية.

فملامح النظام العالمي الراهن سيشهد حالة من الفوضى الاقليمية في ثلاث مناطق هامة من العالم ابتدأت من حدوث الفوضى في منطقة الشرق الاوسط وتتشكل حالياً الفوضى بمنطقة القرن الافريقي وها هي تندلع الفوضى في منطقة اسيا الوسطى.
حصري.. #الوفاق_نيوز