الإلحاد الفيسبوكي

الإلحاد الفيسبوكي

الإلحاد الفيسبوكي

هاجر السعيدي

ليست مسألة الإلحاد مما يقوم في نفس المرء بلحظات ، كما أنه ليس سهلا يسيرا أن يأتي على الإنسان حينٌ لا يهتدي فيه إلى إجابات الأسئلة  الملحة الكبرى التي حاولت الأديان أن تجيب عليها ،وأن يغير نظرته كليا تجاه الوجود والموجودات وجدواها ومآلاتها عبر تاريخ الإنسان.
وليس من الموضوعية أيضا أن يتجاهل الإنسان تاريخ الأديان الطويل فلا يقرؤه ولا يضطلع بفلسفته ولا يأبه لتركماته المعرفية ولا للملايين الغفيرة  المتدينة عبر التاريخ من أجل طقس أو حكم لم يعجبه .
من حق الإنسان أن يفكر في كل شيء، خاصة في مسائل الاعتقاد والدين لأنها  شمولية ومصيرية ؛و لكن من حقه على نفسه قبل ذلك-أن يكون جادا في بحثه وتفكيره صادقا مع نفسه ، لأنه - ملحدا أو متدينا- لن ينفع أو يضر إلا نفسه .
الكثير من الطارئين على الإلحاد اليوم وحتى المتدينين أنفسهم لا يمتلكون جوابا واضحا ومقنعا لماذا هم كذلك! ،تجد الملحد يكره الدين ويسبه وتجد المتدين يدافع عنه ويفتي فيه ،فلا الأول قرأه من الداخل وغاص في تفاصيله ليحكم عليه، ولا الثاني اعتنقه بمعرفة ووعي ليكون حقيقا بالمدافعة عنه .
يمكننا القول إذا أننا  جميعا- ملحدين  ومتدينين -كغثاء السيل تماما، لو استحلنا جميعا إلى ملحدين فلن يضر ذلك الدين في شيء، ولو استحلنا جميعا إلى متدينين فلن ينقص من  الإلحاد شيء .
ولقد قرأنا مرارا عن استغلال الدين من أجل الأطماع المادية، ولكن ماذا عن استغلال الإلحاد أيضا، من جل الشهرة والمال ، ماذا عن الملحدين المهجنين أو "ملحدي المنشورات" الذين يكتبون الإلحاد ويعيشون الخرافة ،ماذا عن ذلك الملحد الذي يعيش آلامه مع الله ويعيش نشوته مع إلحاده ؟!
لماذا لم تتمخض لنا هذه البراكين الثائرة من الملحدين عن ملاحدة  جادين ومخلصين ؟  ملحدٍ حقيقي يجعلنا نحترم الفكرة من أساسها ونثمن جهوده باعتباره باحثا عن الحقيقة .
ملحد يعيش القلق الوجودي  الحقيقي ويناقش قضايا الكون الكبرى ويسائل الفلسفة والتاريخ  ويقضي حياته في البحث وينهيها بالانتحار!
لماذا صرنا مستهترين بالأفكار لدرجة الهذيان بها بلا جدية ولا احترام؟ 

إن أولئك الذين يلحدون بحق ويبحثون بإخلاص للمعرفة  يصلون قطعا إلى شيء ما ،إما الإيمان وإما اليقين بما هم فيه ،ولا يهم أحدا ما غيرهم ما تسفره نتائج بحثهم في حياتهم الخاصة،  ولكنهم يبعثون فينا احتراما لهم ولأفكارهم أيا كانت  لأن الذي قاد إليها هو الإخلاص للمعرفة وليس الهوى والرغبة والعاطفة.


طباعة   البريد الإلكتروني