لا أفهم لماذا يحظى الزيف بهذا القدر من الواقعية؟

لا أفهم لماذا يحظى الزيف بهذا القدر من الواقعية؟

لا أفهم لماذا يحظى الزيف بهذا القدر من الواقعية؟

جمال حسن

ذات مرة عرفت شخص كان يتلاعب بفتاة، يوهمها بالحب وكلام الغزل، دون ان يعنيه، ويمكن ان يردده لثانية وأخريات.
كنت اقول له لماذا تفعل هذا، وبالتأكيد هناك مبررات، هي تريد ذلك وتتواطأ معك. او انها تعرف وتفعل نفس الشيء مع اخرين.

لكن كيف تتعامل مع كلمة كبيرة ومفرطة التعبير بهذا الاستخفاف دون الاكتراث بتبعاتها.

البعض يسقط في الحب عنوة، يبتعد عنه ويلتف حول عنقه، يعتقد انه حاذقا كفاية، لكن هذا الأمر كالعهد.
كنت اعرف ان تلاعبه محدود، لا يصل الى تدمير مستقبل الفتاة التي وثقت به.

لكن ماذا عن الانكسار والمرارة. هناك من يستخف بالآخرين وكأنهم أشياء.

بأذى معنوي واحيانا بأذى جسيم، فالبعض يذهب لينال هواه دون رحمة مدمرا مستقبل الذي وثق به. بل ان هذا الأمر المشين، يثير اعجابهم بأنفسهم، لاشباع مرضي. ولديهم مبرراتهم، بأنها ستفعل مع غيري، او بالنسبة للجنس الأخر بأن الرجال جميعهم مخادعون، وهذا تعميم يسمم الحياة ونعززه بممارساتنا اليومية، دون اكتراث.

وغالبا مثل هؤلاء هم أكثر الناس ادعاء بانهم أصحاب مبادئ.

وليس هذا موضوعنا الرئيسي، لأن العبث بالمواقف الكبيرة لا يقتصر على الحب، انما كذلك بالخداع في أمور الحياة.

وهو ما نراه من اصحاب المواقف الزائفة، الذين يغيرون جلودهم وفقا لاتجاهات المصلحة.


ومازلت اجد نفسي ساذجا لفهم الدوافع، ولا انكر اني شخص أناني في بعض الأمور، ولدي كثير من الأخطاء. لكن كيف يستطيع شخص ان يعبث مع أشخاص يضعون ثقتهم فيه.

قد نعبر عن مواقف خاطئة، لكن ليس بغرض التضليل، بل لأنها نابعة من اعتقادنا.


وبالنسبة لي، يعتبر القارئ مقدس، مثلما قضية الحب بالنسبة لعاشق نزيه.

لا يعني اني اتملق اعتقاده، ولست مطالبا بمراعاة مشاعره او عاطفته، لأن حدود تعبيري، لا بد ان يتوافق مع اخلاصي نحو نظرتي وتقديري، بل واحترام القارئ، حتى ان كانوا أفراد لا يتعدون أصابع اليد، وهذا بالتحديد ما يجعلني اعطي مساحة لوجهة نظره، واحترام عقله.

فهو ليس تابع، يصطف وراءي مصفقا لوجهة نظر بعينها، بل في أسمى الصور هو محاور يمتلك القدرة على التفوق لما أصيغه.

لذا سيسئني اذا وضعت معلومة خطأ، وسأتراجع عنها بأي طريقة لائقة.

انا اتحدث عن نوع من القراء يثقون بك، ليس كوصي على طريقة تفكيرهم، بل هم في لحظة ما أندادا، ولا يعني ان تخضع لوجهةونظرهم وتقديرهم، ما قصدته ان العلاقة مركبة ومتكاملة، ليست مقصورة على اشباع ذات الكاتب، مثلما الحب ليس اشباعا نزويا ينتهي بمجرد حصولنا على ما نريد.


لذا مازلت اشعر بالامتعاض ازاء تلك الحشود التي تزين لنفسها المصلحة، وتغلفها بالمبادئ. وهذا الطموح الذي يتغذى على نزوات تضلل الناس وتبلبل حدود مصلحتهم العامة، هو تجسيد لاستخفاف يضع فيه مجموعة من الناس الى أشياء لاحقة. لا أقول اني لست ذاتيا، وليس لدي نزوات، بل على العكس انا شخص لدي الكثير من الزلات.

وكثيرا ما كذبت، لكني أعجز عن التظاهر بقناع وأكون آخر.

ربما تخفي أشياء عميقة تعبر عن جوهر صدقك. لكن أسأل نفسي، هل يمكن ان اقترح تصور ما، لمجرد انحياز او تعارض مع جماعة، او لحدود مصلحة، وأمارس التضليل.

والتضليل مفردة واسعة، تعني مسائل كثيرة.

ولطالما استخففت بقضايا جوهرية، لكن ضررها يمسني انا في الغالب، أما ان استخف بذوات تمتد على نطاق متغير من المفاهيم والأفكار والتصورات وكذلك الظروف، لأمنح لنفسي حكما قسريا أمتلك تأويله، وأبرر فيه مزاعمي.


ما قصدته ان الكتابة مثل العشق، لا ينبغي ان تستخف بتلك الذوات التي تبني معها عهدا.

حتى في صيغة الأوهام التي تتبدا لنا مثل السحر، والسقطات المشغولة بالأحلام.

وربما لست واقعيا كما يكفي، وغير صالح لزمني، او دونكيخوتيا مضحكا.

فلا أفهم لماذا يحظى الزيف بهذا القدر من الواقعية. بل انه يخول أصحابه للزعم بمبادئ حد الوصاية عليها.

ثم اقول؛ بالتأكيد هم أكثر واقعية مني.
لأني حين أسقط في بعض الخطايا لن يرحمني أحد. وهذا واقع لا يلائمني، ولن يخيفني أن أكون خاطئا، مادمت لم أتجمل بقناع الزيف.

من صفحة الكاتب بالفيسبوك
#الوفاق_نيوز


طباعة   البريد الإلكتروني