أعماق وأبعاد رواية "بر الدناكل" للغربي عمران.. (قرأه نقدية)
صادق السالمي _ (الوفاق نيوز): أهداني الروائي اليمني الكبير الاستاذ محمد الغربي عمران روايته "بر الدناكل" كاتبا لي في اول صفحاتها اهداءا ذماري اصيل يجعل من يقرأه مضطرا رغم انفه ليس لقراءة الروايه فقط والوقوف عند فعل القراءه الممتع للقارئ العادي وانما يدفعك لابداء رأي كتابي فيها وقد كان له ما اراد،،،
بداية انا لا اتفق مع الاستاذ الغربي في مايقوله منذ عرفته ان المبدع شيطان لا يهدأ الا بالجلد والرجم وانما اؤمن بان المبدع هو اكثر اهل الارض عذابا فهو مسيح كل شعب وكل امه يصلب تكفيرا عن خطايا لم يرتكبها هو وانما ارتكبها غيره ليقدم نفسه بكل طيب خاطر وبكل رضا وقناعه قربانا للتكفير عن هذه الاوزار ويصلب من اجل محو هذه الخطايا،،،،
في مستهل قرائتي للروايه صدمني خطأ بنيوي سردي كارثي تكرر في الكثير من روايات الغربي عمران الا وهو نظام التسميات او الاسماء الذي يطلقها الغربي على شخوص رواياته وسبق ان نبهته في اتصال تلفوني بان عليه تغيير اسماء شخوص رواياته باسماء واقعيه واي كان الخطر والمحاذير وسوء الفهم الذي قد يترتب على هذه الاسماء فلا يجب التضحيه بهذا المكون الروائي من اجل ارضاء "الرعيه" او الدهماء فمن يسيئ فهم اسم في عمل روائي ويجعل منه مشكله لا يستحق ان نلتفت اليه كونه اقل وادنى واحقر من التضحيه بجنس ادبي ارضاءا لاحمق غبي قاصر الفهم،،،
اقول ان منظومة التسميات في العمل الروائي ليست مجرد ترف اسلوبي لا تاثير له في النسيج الروائي كما انها ليست امرا هامشي يمكننا اغفاله واستخدام في اطاره ما يحلو لنا وانما هي مكون رئيسي من مكونات العمل الروائي الذي من خلاله يمكن الاستدالال الى عصر و جنس العمل الروائي والى الشكل الذي ينتمي اليه هذا العمل... كان احد اسباب عدم اطلاق اسم الروايه على الكثير من النتاجات السرديه التي كتبت قبل القرن الثامن عشر هو منظومة التسميات بشكل رئيسي فقد كانت الاسماء التي تطلق على الشخصيات في كتابات سرد ماقبل "روبنسن كروزو' هي اسماء نوع "Type" بمعنى انها اسماء تشير لجنس باكمله ولا تشير لشخص واحد يعني مثلا بطل مقامات الحريري "الحارث بن همام البصري" يعني اسم حارث من الحراثه وهمام من الهمه والبصري كنيه تنسبه لمكان ما لا نستطيع تحديد ماهية شخص بعينه في هذا المكان اضافة لكونه اسم شائع وليس اسم علم وكذلك بطل قصة ابن طفيل الذي يعمل الكثير من واهمي النقد العربي على التأصيل لهذا العمل باعتباره اول عمل روائي في العالم وان الغرب تاثرو به ووو وكل هذا الهراء نجد ان اسم البطل"حي بن يقظان" وهذا اسم نوع يطلق على كل كائن حي متيقظ والبعض اشار له انه العقل ،،،المهم اسماء النوع والاسماء الداله على هويات اصحابها "عاطف الطيب" اذا كان الشخص في الروايه شخص عاطفي طيب القلب او "حاتم" اذا كان البطل كريم او "قيس" ويعيش قصة حب او "عنتر" وهو اسود قوي العضلات بالروايه او "روميو" وهو بيحب او "عيسى" وهو مضحي متسامح او كان الاسم يدل على مهنة صاحبه مثل علي النجار محمد الحداد ناصر الحلاق احمد الخضري يحيى الجزار ماجد المهندس وهو مهندس في العمل الروائي مثلما يمتهن من ذكرو سابقا المهن الموجوده باسماءهم او كانت الاسماء تدل على صفات مثل عبده الامين قاسم المصلي نجيب الوفي علدالودود عبداللطيف وووو كل هذه الاسماء اذا استخدمت في العمل الروائي وتطابقت الصفات او المهن مع صفات الشخصيات او مهنها في العمل الروائي فهي تنفي عنه صفة الروائيه وتجعله مجرد كتابه عاديه لا توصيف لها حتى وان توافرت بقية مكونات البنيه السرديه وكذلك اذا استخدمت الاسماء الاسطوريه او اسماء الحيوانات في العمل الروائي فهي تنفي عنه روائيته وتجعل منه شيئ اقرب الى الامثوله او الحكايه او الطرفه او الخرافه او الاسطوره وبالتالي فمنظومة التسميات ليست مجرد اسماء نختارها وفقا لهوانا وبما يتناسب مع ظروفنا وانما هي مكون اصيل من مكونات البنيه السرديه شكل فيها استخدام الاسماء الحقيقيه المطابقه لزمانها ومكانها نقله نوعيه في ونقطة تحول مهم في تاريخ تطور الجنس السردي وكان استخدام الاسماء المالوفه المتعارف عليها في زمانها ومكانها ايذانا بتطور الجنس السردي ودخوله مرحلة الواقعيه ،،،
اذا لاحظتم في السطور السابقه تكرار عبارة الاسماء المرتبطه بزمان ومكان محددين نظرا للصله العميقه والقويه التي لايمكن الاستغناء عنها بين الاسماء وزمانها ومكانها المحدديدن اذ ان انتفاء وجود زمن محدد للروايه ينفي عنها روائيتها او بشكل ادق ينفي عن السرد سرديته وهذا السبب هو ما نفى عن النتاجات السرديه التي انتجت قبل القرن الثامن عشر سرديتها لان زمانها ومكانها غير محددين وهذا هو السبب الذي نفى عن كتاب "الف ليله وليله" سرديته لان قصصه لا تنتمي الى زمان محدد وليس الف ليله وليله وحده هو ما انتفت سرديته بل هو وكل كتب السير والبطولات مثل الزير سالم وسيف بن ذي يزن وابو زيد الهلالي والتي رغم انها استندت الى اسماء حقيقه لكنها تحولت الى استطير كون حكاياتها تبدا بعبارات كان يامكان في قديم الزمان ورغم اننا نعرف التاريخ الحقيقي الذي عاش فيه هارون الرشيد وسيف بن ذي يزن وعنتره والزير سالم الا ان المكان والزمان الروائي لسيرهم واساطيرهم غير محدد كما ان الصفات الخارقه الذي جعلتهم السير يتصفو بها ابعدتهم من سياق التصنيف السردي دافعة بهم نحو الأساطير،،،
خلاصة المقدمه المفصله اعلاه نتيجه مفادها انه لا يصح سرديا ولا يجب ان نقرأ روايه في القرن الواحد العشرين يجلس بطلها امام اللابتوب ومستخدما لل"فيسبوك" اكثر وسائل التواصل الاجتماعي شيوعا في القرن الواحد والعشرين ويكون اسم هذا الشخص "شنوق".
لن اقول ان هذا خلل او عيب وانما اقول انه خطأ سردي كارثي يتنافى مع الزمان والمكان والبيئه والمجتمع والثقافه التي يعيش فيها البطل ويتنافى مع الاحداث والتجارب وكل مكونات العالم والنسيج الروائي الذي قدم في اطاره البطل الينا،،، يستحيل ان تجد في عصر الثوره التكنولوجيه والعصر الرقمي حتى في اكثر البيئات اليمنيه قطيعة عن العالم شخص يستخدم اللابتوب واسمه "شنوق" واي كانت اسباب الغربي عمران حتى لو بلغ هامش الخطر تهديد حياته فيجب عليه استدراك اسماء ابطاله في الطبعات الثانيه والثالثه من هذه الاعمال حتى تتمتع رواياته بتوصيف روايات واي كانت الجوائز التي نالها والكتابات التي تثني على نتاجه فجهل النقاد العرب لن يشفع لكتابات الغربي بعد ان يعرف الجميع مكونات العمل الروائي التي يجهلها كتاب ونقاد الوطن العربي،،،،
ومثل "شنوق" نجد "طنهاس" و"قانح" وحتى يعرف الجميع والغربي مايحدثه الفرق في التسميات احيل القارئ الى اسماء ذكرت في اطار الروايه وترون كيف سيتجسد الشخص في مخيلة القارئ كانسان كامل وحقيقي كأنه احد الاشخاص الذي نعرفهم فمثلا اسم "غزال" بائعة الريحان ورغم انه اسم صفه الا انه بامكان القارئ تخيلها كفتاه حلوه مثل الغزال لكن مثلا شخصية "اروى عبدالنبي" نستطيع تخيلها مثل كل طالبه جامعيه وكذلك شخصيتا "اكرم" و "باعامر" الحضرمي نستطيع بكل سهوله تخيلهم جميعا من لحم ودم على عكس "طنهاس"، "شنوق"، و"البندريه" هؤلاء اشخاص لاملامح ولا شخصيات ولامكونات ولاصفات محدده لهم مهما استغرق الكاتب في وصف شخصياتهم سيظلون سخصيات مائعه بعيده عن اي تحديد وهذا كما اسلفت هو احد العيوب التي تنفي عن العمل السردي سرديته،،،
الامر الاخر الذي اود لفت انتباه الاستاذ الغربي له هو الشكل الذي استخدمه لنسج العالم السردي لرواية بر الدناكل حيث انه قد اختار شكل "الرسائل" لتقديم احداث روايته وهذا الشكل يمكن ان اقول انه من الاشكال البدائيه الذي اتسمت به المراحل الاولى والطفوليه لجنس الروايه وكان سمة سائده ومهيمنه على النتاجات الروايه في القرن الثامن عشر وهذا الشكل قد نبذه روائي القرن التاسع عشر وماتلى ذلك اي انه شكل تم الاستغناء عنه حينما دخلت الروايه مرحلة جديده من مراحل تطورها الواقعي وتم استبداله بال "Bildungroman" وماتفرع عنها من اشكال الروايه "متطورة الاحداث" التي تفضي دائما الى تغيير ما يطال ابطال العمل الروائي كما تم كذلك استبداله في القرن العشرين بالروايه السكيولوجيه المعتمده على تقنية ال stream of cosciousness" ، المهم اقول ان استخدام اسلوب شكل "الرسائل" في نسج العالم الروائي لا يمكن القول انه خللا او عيبا او خطأ كارثي كما هو الحال عليه في منظومة التسميات ولكن بالامكان القول ان هذا الشكل يحد من تطور العالم الروائي ويحد من قدرة الكاتب على الغوص في التفاصيل السكيولوجيه والفيسيولوجيه لابطال العمل كما يحد كذلك من قدرة الكاتب على الاستغراق الوصفي للاماكن والمشاهد والاحداث اذ ان الكاتب نفسه يصبح مقيدا بوجهة نظر " point of view" المرسل وهذا ما يخنق القدرات الابداعيه للكاتب ويجعله عاجزا عن الاستغراق في وصف الاماكن والانفعالات وعدم الاستغراق يفضي الى خلق مسافه كبيره بين القارئ والعالم الروائي الذي يقرأه وكل ما ازدادت هذه المسافه كلما قل "Illusion of reality" اي تقل واقعيته ويقل تاثيره على المتلقي ،،،،
كذلك من عيوب شكل "الرسائل" السردي تقطعه وعدم انتظامه في خط سردي واحد فيظهر للقارئ كحلقات متقطعه كل رساله عباره عن حدث منفصل لايجمعه بالذي سبقه او بالذي لحقه شيئ وبالتالي تنعدم فرصة تطور العمل الروائي وفقا لحبكة محدده وكذلك من عيوبه تذويبه للمسافه بين القارئ والكاتب اذا ان اي عمل روائي يعتمد بشكل رئيسي في وجوده على الكتابه او بشكل ادق يتخلق في اطار عملية كتابه لايعيها المتلقي او القارئ ولا يستحضرها عند قرائته ويتماهى مع العمل الروائي بشكل كامل اثناء قرائته ويتمثل شخوصه في اطار مايسمى وفقا لكوليرج "Willing suspension of disbelief" اي انك تعيش وهم العمل الروائي باعتباره حقيقه متناسيا بشكل كلي عملية كتابته لكن في اطار روايات الرسائل تحضر الكتابه والقراءه كعمليتين واضحتين امام عيني المتلقي ويشاهد الابطال يكتبون ويقرأون امامه وهذا بدوره يخفض ويقلل فرص التماهي والتمثل مع الابطال والاحداث كما ان ادب الرسائل يولد حاله من عدم الارتياح والى حد ما من التقزز والغثيان يعانيها القارئ بسبب احساسه بشكل لاواعي انه يقوم بالتلصص والاطلاع على مايدور بين شخصين او بين اشخاص وانه يختلس النظر لما لايحق له الاطلاع عليه وان الكاتب او الشخص الذي كشف هذه الرسائل قد انتهك خصوصية من اتمنه علئ اسراره وقام بكشف هذه الاسرار في العلن حتى والقارئ يعي ويعلم انه يقرأ عمل روائي وان الرسائل ليست حقيقيه الا انه لا يستطيع السيطره على ما يترتب عليه استخدام هذا الشكل الروائي من اثار سلبيه على لاوعيه،،،،
اقول ماترتب عليه استخدام الكاتب من شكل الرسائل خنق قدراته الابداعيه وكبله بالكثير من القيود وهو بدوره ما افضى الى احد الاختلالات البنيويه في البنيه السرديه والمتمثل بظهور سارد غير موثوق به او "Unreliable narrator" سارد لا نعرف من يكون ولا ماهو عمله ولا صفته ولا ماهيته ولا اسمه لكنه يتدخل في كثير من الاوقات لوصف الكثير من الاماكن والاحداث والاشخاص، سارد اقحم للقيام بعمل ليس عمله ولا هو من اختصاصه، سارد لا نعرف علاقته بالقصه ولا بابطالها اي لانعرف هل هو من ابطال القصه او من الشاهدين عليها او من السامعين لها، سارد بدون
"Point of view or focalization"
احيانا تجده في قلب الاحداث واحيانا خارجها واحيانا داخل عقول الابطال واحاسبسهم واحيانا خارجها احيانا يعرف ما يجول في الصدر واحيانا لا يستطيع رؤية مايدور امامه، سارد فرضه على الكاتب محدودية وضيق شكل " الرسائل" السردي وكان بالامكان الاستعاضه عنه بالشكل العاطفي او
ال "Sentimental"
بحيث تتالف الروايه من ساردين متعددين بضمير المتكلم بنفس تقنية "ميرامار او الكرنك" لنجيب محفوظ بحيث نعرف من كل شخص من شخوص الروايه جانب من القصه فيروي "شنوق" ماراه او حسه بنفسه وكذلك تروي "غزال" و"البندري" و"طنهاس" و"اروى عبدالنبي" كشخصيات رئيسيه قصصهم ويررون ما دار من احداث فيما بينهم مع تجنب عدم التكرار وكان بامكان الغربي تجنب عدم التكرار فعلا لانه نجح فيه في اطار الرسائل وكانت الكثير من الاحداث تؤجل وتكشف عن طريق الشخصيات الاخرى كما كان بالامكان افراد مساحات ضيقه للشخصيات الثانويه بسهوله ،،،،
في الاخير يمكن القول ان هنالك الى حد ما فشل في البصيره الروائيه التي تدفع الكاتب الى تصوير الكثير من الاحداث الواقعيه كما يريدها لا كما يفترض سياقها السردي وغياب هذه البصيره الروائيه وغياب والصرامه الفكريه هي ما تجعل العمل يبدو في النهايه عباره عن مجزره تصور الجميع فيها كضحايا من اجل خلق اكثر قدر ممكن من التعاطف وهذا ما يتضح من خلال موت اغلب شخوص الروايه ابتداءا باابن "طنهاس" في بداية العمل مرورا بابن "شنوق" وزوج "غزال" و"الخاله بائعة الريحان" و"اروى" و"صاحبة المقهايه" و"طنهاس" مختفي او ميت وكذلك "شنوق " نفسه الذي يعد ميتا بالنسبه لاسرته وزوجته وكذلك انتهى به الامر الى حالة بين الحياه والموت محاطا بعشرات الموتى بنهاية الروايه ويحضر الموت من خلال كذلك موت "البتدريه" بالنسبة له وكذلك موت " عفاش" وعشرات الالاف من الموتى الذين تملا صورهم كل الشوارع والساحات،،،،،
الحديث يطول ويحتاج الى قرائه مستفيضه وكنت اتمنى ممن قرأو رواية الاستاذ محمد وشكرهم في روايته ان يلفتو انتباهه لمثل هذه الامور لكني على ثقه انهم لم يعلمو بها قبل ان اخط هذه القراءه الاوليه للعمل ،،،
ولا جلد ولاشي يا استاذ بقية الاشياء بنتحاكي بها مع بعض
الغربي عمران