الأبعاد الخطيرة "الجيوسياسية" لمنع اليمنيين من العمل في السعودية

الأبعاد الخطيرة "الجيوسياسية" لمنع اليمنيين من العمل في السعودية 

كتب علي البخيتي -(الوفاق نيوز):
هل استسلمت السعودية أمام الواقع الذي يفرضه الحوثيون وإيران في اليمن كما استسلمت أمريكا أمام الواقع الذي فرضته طالبان بأفغانستان؟، ما دفعني للتساؤل هو القرار السعودي غير المعلن بالاستغناء عن الأطباء والأساتذة الجامعيين اليمنيين في المناطق الجنوبية من المملكة، جازان وعسير ونجران والباحة، والذي يبدو أنه مقدمة للاستغناء عن العمالة اليمنية بشكل عام في تلك المناطق وعموم المملكة بحجة السعودة، وحجج أمنية قد تخترع لتبرر تلك الاجراءات، التي للمملكة الحق في اتخاذها في الظروف العادية مع مراعاة عدم وجود تمييز أو استهداف عنصري لجالية معينة هي الأقرب للمملكة من عدة جوانب.

‏لست مؤمن بنظرية المؤامرة السائدة لدى كثير من اليمنيين من أن المملكة تعمل ضد مصلحة اليمن واليمنيين، والتي يسعى الحوثيون وإيران والإخوان المسلمون لتعزيزها وتوظيفها ضد المملكة، لكن الاجراءات السعودية التي طالت مئات الآلاف من اليمنيين في هذه الظروف الصعبة تخدم مروجي نظرية المؤامرة تلك.

‏للسعودية اتخاذ ما تراه مناسب من اجراءات لتنظيم سوق العمل وتمكين المواطن السعودي، لكن عندما تقود المملكة تحالف وتشن حرب على جماعة الحوثي عقب انقلابها وتطال هذه الحرب الأخضر واليابس وتدمر مقدرات اليمن الاقتصادية وتتسب بحصار ودمار هائل وانهيار في العملة وسوق العمل وهجرة ونزوح الملايين فذلك يرتب مسؤولية، الأكبر منها يقع على عاتق المملكة لعدة اعتبارات، أولها أنها من اتخذت قرار الحرب قبل أن تطلق رصاصة واحدة عليها، وثانيها أن ما يسمى بالشرعية "حكومة هادي وعلي محسن" ما هي إلا شماعة بيدها، وثالثها أن جماعة الحوثي جماعة انقلابية لا يمكن أن نحملها مسؤولية، فلا يمكن تحميل اللص مسؤلية ضعف الاجراءات الأمنية.

‏حبًا في اليمن والسعودية أقول وبصراحة: على المملكة ان تدرك أنها أمام مسؤولية كبيرة تجاه اليمنيين العاملين لديها، وليس المطلوب منها فقط ان تعاملهم سواء بسواء مع بقية الجاليات العربية، بل مطلوب منها استثناء اليمنيين من اجراءات السعودة لحين انتهاء الأزمة التي المملكة جزء منها، والخيار الآخر أن تكون السعودية واضحة في تعاطيها مع الملف اليمني كوضوح أمريكا في أفغانستان وتعلن إنهاء وجودها وعملياتها العسكرية وسيطرتها على الأجواء والسواحل والحدود والتخلي عن شرعية زائفة فاسدة تسببت بدمار اليمن وطرد هادي ومحسن وباقي شلة اللصوص القابعين في فنادق الرياض من سنوات عديدة، وسيجد اليمنيون طريقًا للتعامل مع جماعة الحوثي، سواء بتقبل الأمر الواقع أو مقاومتها بطريقتهم الخاصة.

‏أما والسعودية تسيطر على الأجواء والسواحل اليمنية ولا تدخل طائرة ولا سفينة ولا حتى سيارة إلا بموافقتها فهي ملزمة بالتعامل بشكل استثنائي مع اليمنيين المتواجدين فيها، والذين تواجد جلهم بسبب الحرب، ولولا الحرب لعادوا من تلقاء انفسهم عندما يشعروا أنهم غير مرغوب فيهم لأي سبب.

في العادة تتعامل الدول بشكل استثنائي -إيجابي- مع جاليات الدول المجاورة لها لما بينها من روابط جغرافية واجتماعية وسياسية وتاريخية، لكن أن تتعامل بشكل استثنائي -سلبي- كما يحدث مع الأكاديميين اليمنيين في جنوب المملكة فتلك سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها أتمنى أن تكون ناتجة عن قرارات "سعودة" مستعجلة وغير مدروسة من وزارة العمل وليست توجه سياسي للمملكة.

‏وعليه أتمنى من قادة المملكة عدم ترك التعامل مع العاملين اليمنيين لوزارة ومكاتب العمل ومساعيهم للسعودة، فاليمنيون لهم خصوصية، جغرافية وتاريخية وقرابة دم وأصل مشترك، إضافة لما تتحمله السعودية من مسؤولية ناتجة عن الحرب، فترك التعامل مع اليمنيين لوزارة العمل خطأ استراتيجي ستدرك السعودية نتائجة وأبعاده الخطيرة عندما توصل وزارة العمل السعودية اليمنيين لقناعة أن الحوثيين وإيران بكل مساوئهم أفضل وأقرب من المملكة، لأنهم ملجأهم الأخير والإجباري هروبًا من السعودة، فوزير العمل السعودي ينظر لما يحققه من أرقام فيما يتعلق بالسعودة -وهذا حقه- لاكنه لا يدرك الأبعاد الخطيرة على المملكة من قراراته.

‏وأُذكر هنا كيف تعاملت بريطانيا مع ملايين الفرنسيين والألمان والأوروبيين الذين فروا لها من نازية هتلر، فلم يُترك لوزير عملها التعامل معهم، ولم يتحدث أحد عن تأثيرهم على فرص البريطانيين في العمل، لأن بريطانيا نفسها كانت في خطر كما السعودية اليوم في خطر إذا ما تحول الحوثي بدعم من إيران لدولة معادية في خاصرتها.

‏أتوجه هنا للملك سلمان، ولولي عهده الأمير محمد بن سلمان‬ بأن يسحب ملف اليمنيين في المملكة من وزارة العمل، ليكون ضمن الملفات الاستراتيجية التي تتخذ القرارات فيها بناءًا على ما تتطلبه الحرب مع إيران وأدواتها في المنطقة، فوزير العمل لا يدرك الأبعاد الخطيرة "الجيوسياسية" لقرارته.