عناوين الاخبار
كازاخستان ... قراءة في كتاب "رئيس " لا يجوع
كازاخستان ... قراءة في كتاب "رئيس " لا يجوع
توفيق شومان _ (الوفاق نيوز): بصرف النظر عن طبيعة التدخل الروسي في كازاخستان، وما يرافقه من إغراء المقارنة بين التدخل السوفياتي في هنغاريا (1956) وفي تشيكوسلوفاكيا (1968) ، فإن نجاح الوحدات العسكرية ل" منظمة معاهدة الأمن الجماعي " التي تقودها روسيا في تثبيت حكم الرئيس قاسم جومارت توكاييف ، لا يلغي واقع دخول كازاخستان في دائرة " الدول القلقة ".
ما يدفع الى استخدام هذا التوصيف ، نداء الإستغاثة العاجل من الرئيس توكاييف بنظيره الروسي فلاديمير بوتين ، بعد أربعة أيام فقط من اندلاع الإحتجاجات الشعبية ، وإذ جاءت النجدة الروسية على وجه السرعة ، فالأمرعنى أن لدى الطرفين قراءة موحدة حول مخاطر فقدان السيطرة على دولة مجاورة لروسيا وعملاقة في جغرافيتها وتتعدى مساحتها مليونين وسبعمائة ألف كيلومترا مربعا ، فضلا عن ثرائها بمصادر الطاقة .
بصورة عامة ، لم يخرج فعل استنجاد " الرئيس بالرئيس "، عن المنظومة الفكرية لتوكاييف والتي اودعها في كتابه المعروف بعنوان " دبلوماسية كازاخستان " الصادر في عام 2005، وهي السنة التي كان يشغل فيها منصب وزير خارجية بلاده .
في هذا الكتاب يتطرق توكاييف إلى مجموعة هامة من العناوين ، من بينها علاقة كازاخستان بروسيا ، و " منظمة معاهدة الأمن الجماعي" والتحديات الأمنية التي يمكن ان تواجه كازاخستان، على مستوى العدوان الخارجي أو على صعيد ما يسميه " الثورات ومصائب الدم " ، وحيال ذلك يقول :
ـ روسيا وكازاخستان : ينطلق توكاييف في نظرته نحو روسيا ، من زاوية التبني الكامل لمفهوم الفضاء الأوراسي، ويعتمد على ما يقوله المفكرون الروس في هذا المجال ، من مثل تروبيتسكوي وفلورينسكي وفرنادسكي وغوميليوف ، فيستشهد برؤاهم القائلة " بالأهمية الكبرى لمنطقة أوراسيا ، كمنطقة تربط بين أجزائها وحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة لدى الشعوب التي تقطنها ، فمصائر شعوب أوراسيا قد تشابكت في سلسلة واحدة كبرى لم يعد من الممكن فصل حلقاتها ، ولا يمكن فصل شعب عن هذه الكتلة الموحدة إلا بممارسة العنف الإصطناعي ضد الطبيعة ".
وعلى ما يقول توكاييف "أن تطوير التعاون الشامل مع روسيا ، من الأولويات الإستراتيجية لأنشطة السياسة الخارجية لكازاخستان ، حيث تتطابق مصالح الدولتين في الكثير من المعايير ، إذ يتعين على كازاخستان أن تقوم بالتعاون مع روسيا في قضايا النقل والطاقة والإمكانات الصناعية والعلمية وجملة المنشآت الإستراتيجية ، وستبذل كازاخستان جهودها من أجل تعزيز المساحة الإقتصادية والدفاعية والإعلامية والإنسانية المشتركة مع روسيا ".
ماذا يبقى ؟ بالنسبة لتوكاييف " هناك الكثير من العوامل تجعل التعاون متعدد الجوانب بين كازاخستان وروسيا ، هذا هو التاريخ المشترك والحدود المشتركة بطول سبعة آلاف كلم ، واللغة المشتركة ونمط الحياة ، لذلك فأية سياسة أخرى تنافي المصالح الأصلية للدولتين ، وروسيا وكازاخستان مثالان نادران من بين جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق ، لم يبق شيء من القضايا معلقة في علاقتهما ، ودخلتا القرن الحادي والعشرين بصفة الحليفين الإستراتيجين الذين يرتبطان بأواصر الصداقة المجيدة ".
وماذا يعني كل ذلك ؟
يجيب الرئيس توكاييف بالقول " لا تستطيع كازاخستان ان تستغني عن روسيا ، ولكن روسيا .. هيهات .. ان تتعامل بدون كازاخستان".
ـ الأمن الجماعي أم "وارسو" جديد؟ : في بيان طلب النجدة من الرئيس فلاديمير بوتين ، قال الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف " إنالعصابات الإرهابية التي تنظم الاحتجاجات في كازاخستان تلقت تدريبات خطيرة بالخارج وطلبتُ مساعدة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي" بحسب ما أوردت وكالة " سبتونيك " الروسية (5 ـ 1 ـ 2022) ونقلت الوكالة نفسها عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله إن " موسكو تراقب عدوان الإرهاب الدولي في كازاخستان ".
هذا التصنيف لحركة الإحتجاجات التي شهدتها كازاخستان ، أملى على روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وقرغيزستان وطاجيكستان وهي الدول الأعضاء في " منظمة معاهدة الأمن الجماعي" أن تصد " العدوان الخارجي " ويُرسل بعضها قوات عسكرية لمساعدة توكاييف ، وهو الذي كان قدم توضيحات وتفسيرات لمهمات وأدوار هذه المنظمة في كتابه ، حيث يقول :
" إن تكوين رابطة الدول المستقلة في خريطة العالم السياسية ، وجمعها في منظومة الكومنولث ، لا توفر مطلقا الدفاع عن استقلال هذه البلدان ، لذلك نشأت ضرورة إنشاء نظام الأمن الجماعي ، وتنص المادة الرابعة من المعاهدة على أنه في حالة تعرضت إحدى الدول المشاركة لإعتداء من أي طرف او مجموعة ، فهذا يُعدً اعتداء ضد جميع الدول المشاركة بهذه المعاهدة ، وفي حالة قيام اعتداء ضد أية دولة من الدول المشاركة ، تقدم جميع الدول المشاركة المساعدة اللازمة لها بما فيها العسكرية " ، وهذه المعاهدة كما يقول توكاييف تم تطويرها وتمديدها تباعا ، إلى أن تم التوافق على " إنشاء مركز مكافحة الإرهاب لدعم الأمن والإستقرار في الحدود الجنوبية لآسيا الوسطى ".
كيف يعمل مركز مكافحة الإرهاب ؟
يقول توكاييف " في 25 أيار / مايو2001، عُقدت الدورة العادية لمجلس الأمن الجماعي في ارمينيا ، وخلال الإجتماع كانت الإشارة إلى ضرورة تثبيت التعاون السياسي
والعسكري، وأُخذت إجراءات معينة لمنع التشكيلات الإجرامية والإرهابية بإنشاء قوات جماعية للإنتشار السريع في آسيا الوسطى ، تتشارك في تشكيل هذه القوات أربعة أعضاء ، كازاخستان وروسيا وقرغيزستان وطاجيكستان ، وعند الحاجة يمكن أن تنضم إليهم دول أخرى ".
والعسكري، وأُخذت إجراءات معينة لمنع التشكيلات الإجرامية والإرهابية بإنشاء قوات جماعية للإنتشار السريع في آسيا الوسطى ، تتشارك في تشكيل هذه القوات أربعة أعضاء ، كازاخستان وروسيا وقرغيزستان وطاجيكستان ، وعند الحاجة يمكن أن تنضم إليهم دول أخرى ".
ـ ثورات الشياطين : في السابع من الشهر الجاري ، نقلت وكالات الأنباء العالمية ومن ضمنها وكالة " سبوتيك " عن الرئيس توكاييف أنه قال" أعطيتُ الأمر لأجهزة إنفاذ القانون والجيش بفتح النار للقتل دون سابق إنذار".
إطلاق النار من أجل القتل ، لماذا ؟
هذا السؤال يفرض العودة إلى كيفية نظرة توكاييف إلى الأمن والإضطرابات والثورات ، ففي الصفحة التاسعة والثلاثين من كتابه يقول :
" إن الإعتراف العالي بقيمة الحياة الآمنة والمطمئنة للشعب الكازاخي الذي ابتلى طوال تاريخه بمعاناة غير قليلة ، يملي علينا اليوم عدم قبول التطرف وعدم قبول الفكر والنداءات والأفعال التي تقود إلى اضطرابات وفوضى " ، ويكمل توكاييف شارحا ومفصلا :
" لا مكان لتهديد الإستقرار ، سواء جاء من الخارج على شكل اعتداء غرباء ، او جاء من الداخل على شكل تنكيلات إقطاعية أو ثورات تحمل معها المصائب والدم ، وتعرف هذا جيدا جميع الشعوب المتعايشة في كازاخستان ".
في مجمل التغطيات الإعلامية وعلى مختلف اتجاهاتها ، والتي وردت من كازاخستان منذ اليوم الثاني من هذا الشهر، أن الإحتجاجات الشعبية في بلاد الكازاخ انطلقت بعد رفع أسعار المحروقات ، مما أدى إلى ارتفاع المواد الغذائية والإستهلاكية ، وهذا يعني أن الناس خشيت من الجوع وحركتها مخاوف بطونها وأمعائها، وما عادت تلوي إلا على التحطيم والتكسير .
حول الجوع يقول الرئيس قاسم جومارت توكاييف " يزعمون بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، لكن وقائع التاريخ أثبتت أن الفرحة بالخبز لازمة في كل مكان وزمان " .
ليس من المناسب مناقشة توكاييف حول ما قصده السيد المسيح من قوله ذاك ، ولكن للضرورة أحكام ، ذلك ان معنى قول المسيح أن الإنسان لا يعيش ببُعد واحد ، أي البُعد المادي ، فالإنسان بحاجة أيضا إلى البُعد الروحي ، ولكن الرئيس توكاييف الذي عاش في الصين سنوات عادة ، لا بد انه قرأ أو سمع ما قاله منشيوس الفيلسوف الصيني القديم ، يقول منشيوس :
الجوع لا يعرف الحكمة
#الوفاق_نيوز